الإبحار في مياه اقتصادية صعبة

21:09 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبد العظيم حنفي*

تتزايد معاناة الأسواق الناشئة والدول النامية من تباطؤ النمو، والتضخم المرتفع، وتزايد الديون الحكومية، وتفاقم ميزان الحساب الجاري، وتدفق رأس المال إلى الخارج، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية ستستمر في إنتاج الضغوط في الأسعار وخفض الإنتاج وتراجع الثقة. وهناك عامل سلبي آخر هو قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 0.75% للمرة الثالثة على التوالي يوم الحادي والعشرين من سبتمبر، ليصل إلى ما يتراوح بين 3% و3.25%. وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد رفع سعر الفائدة بنسبة 0.25% في شهر مارس الماضي، معلناً بذلك عن انتهاء عصر أسعار الفائدة الصفرية الذي ظل منذ تفشي وباء كورونا في شهر مارس من عام 2020. ومنذ ذلك الحين، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة الرئيسي 5 مرات متتالية، وكانت نسبة الرفع في ال3 الأخيرة بمقدار 0.75%. وبهذا يكون سعر الفائدة الرئيسي في الولايات المتحدة قد سجل أعلى مستوياته منذ شهر يناير من عام 2008. ويعود السبب في ذلك القرار غير العادي إلى كبح التضخم المرتفع. فقد زاد التضخم في الولايات المتحدة بنسبة 9.1% في شهر يونيو الماضي، ثم تراجع بشكل ضئيل ليصل إلى 8.5% في الشهر التالي. وكان المتوقع أن يتحسن الوضع، لكن في حقيقة الأمر، لم يشهد الوضع تحسناً؛ بل أصبح أسوأ مما كان متوقعاً.

وتؤدي التحولات في السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي غالباً إلى زيادة الضغوط المالية والاقتصادية في الاقتصادات الناشئة ففي أوائل تسعينات القرن العشرين، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بصورة استباقية في إطار جهود كبح التضخم، ما عجل بحدوث أزمة «تيكيلا» المكسيكية عام 1994. وفي عام 2013، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى نيته في تشديد السياسة النقدية، ما أدى إلى عمليات بيع كبيرة في الأسواق الناشئة تُعرف باسم «temper tantrum» «موجة الغضب الناجمة عن التقليص التدريجي لبرنامج التيسير الكمي».

وقد أدت السياسات النقدية المتشددة التي تنتهجها الولايات المتحدة إلى ارتفاع قيمة الدولار وإضعاف العملات الرئيسية الأخرى، وهو ما ترتب عليه المخاوف من تعرض الأسواق الآسيوية لموجة من التشاؤم من عودة شبح الأزمة الآسيوية عام 1997 التي نجمت بصورة أساسية عن مزيج من الاختلالات في الاقتصاد الكلي وتحولات حادة في اتجاه تدفقات رأس المال، الناجمة عن هجمات المضاربة على «البات» التايلاندي والعملات الإقليمية الأخرى؛ إذ شهدت اقتصادات شرق آسيا نمواً سريعاً قبل الأزمة؛ ويرجع الفضل في ذلك إلى تدفقات رأس المال المتزايدة والإقراض الأجنبي المفرط، لكنها لم تعتمد إجراءات تنظيمية وسياسية سليمة. فقد كان معظم العملات الآسيوية لا تزال مرتبطة بالدولار الأمريكي، وكانت الأطر التنظيمية للبنوك تتسم بقدر أكبر من البساطة، وكانت الاحتياطيات الرأسمالية منخفضة. ومن ثم ضربت دول منطقة شرق آسيا 1997 أزمة اقتصادية غير مسبوقة أدت إلى انهيار العملات وأسواق الأسهم وأسعار المنقولات، الأمر الذي أدى إلى كارثة مالية رئيسية في آسيا.

وحاليا أدت السياسات النقدية المتشددة التي تنتهجها الولايات المتحدة إلى ارتفاع قيمة الدولار وإضعاف العملات الرئيسية الأخرى، حيث تعرضت العملات الآسيوية الرئيسية، وفي مقدمتها اليوان الصيني والين الياباني والوون الكوري، لتدهور في قيمتها، فقد ظل الين الياباني واليوان الصيني ضعيفين مقابل الدولار الأمريكي، ما أدى إلى تعميق المخاوف بشأن تدفقات رأس المال الخارجة من آسيا وإثارة شبح أزمة مالية على مستوى المنطقة. كما أدى انخفاض قيمة عملتي العملاقين الاقتصاديين إلى ضغط هبوطي على العملات الآسيوية الأخرى، وسط قوة الدولار. وتكمن مشكلة اليابان الحالية في أن حكومتها استمرت في جعل الين ضعيفاً مقابل الدولار للمساعدة في الحفاظ على القدرة التنافسية السعرية لمنتجات البلاد في الأسواق العالمية. لذلك أبقت اليابان على سعر الفائدة القياسي بالقرب من الصفر لفترة طويلة جداً. لم تبذل أي جهود لمواكبة الزيادات الحادة في أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. يبدو أن الأوان قد فات على البنك المركزي الياباني للتحرك نحو تشديد السياسة النقدية. الدين الوطني لليابان يعادل 250٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل رفع أسعار الفائدة أكثر صعوبة. استمر عجزها التجاري في التزايد بسبب ارتفاع الأسعار العالمية للطاقة والمواد الخام.

وتعاني الصين مشاكل اقتصادية حادة، بعد تراجع النمو وارتفاع معدل البطالة، ومشاكل سوق الإسكان، فضلًا عن أزمات سلاسل التوريد. كما ازداد الوضع سوءاً بسبب تمسك بكين بسياسة صارمة بشأن مكافحة فيروس كورونا المستجد، فمنذ أواخر أغسطس، أغلقت السلطات الصحية الصينية ما لا يقل عن 74 مدينة، ما أثر في أكثر من 313 مليون نسمة، وتلك المدن التي تأثرت بعمليات الإغلاق تمثل 35% من الناتج المحلي الإجمالي للصين.

وترى تحليلات اقتصادية أن بكين مستعدة لاستيعاب التكاليف الاقتصادية والاجتماعية التي تنبع من سياسة صفر كورونا، مع محاولة تحقيق «أفضل نتيجة ممكنة» للنمو الاقتصادي والوظائف، مع التمسك بسياسة صفر كورونا، لكن وفق تلك التحليلات الاقتصادية «من الصعب جداً تحقيق التوازن بين الهدفين»، وأنه من غير المرجح أن نرى الاقتصاد الصيني يكرر النمو المرتفع السابق البالغ 5.5% أو 6% خلال العامين المقبلين.

وقد حذر البنك الدولي في دراسته المنشورة تحت عنوان «هل يلوح الركود العالمي في الأفق؟» من ارتفاع مخاطر الركود الاقتصادي العالمي خلال العام المقبل 2023، وسط استمرار الزيادات المتزامنة لأسعار الفائدة في أنحاء العالم.

وقال البنك، إن اقتصادات كل من الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو تتباطأ بحدة في الوقت الراهن، وفي ظل هذه الظروف فمجرد صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي خلال 2023، قد تهوي به في غمرة الركود.

وأوضحت تحليلات اقتصادية، أن البنوك المركزية في أنحاء العالم، أقدمت على رفع الفائدة هذا العام بدرجة من التزامن لم تحدث منذ 5 عقود، وهو اتجاه من المرجح أن يستمر في 2023، لكن المسار المتوقع حالياً لزيادات الفائدة قد لا يكفي للنزول بالتضخم العالمي المحموم إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا.

*أكاديمي مصري

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2y3ufs84

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"