عادي

رهان دائم على أخلاقيات التسامح

22:53 مساء
قراءة 5 دقائق
جانب من الدورة السابقة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب
مشهد من أحد عروض أيام الشارقة المسرحية 2022

الشارقة: يوسف أبولوز

بكل معايير الحراك الثقافي في العالم وفي الوطن العربي تسجل الإمارات رقم الأسبقية في حصيلة العمل الثقافي في العام 2022، ولم يأت هذا الرقم الريادي دائماً من فراغ، فالثقافة في الإمارات قطاع وتنمية مستمرة ومشروع مستقبل ورهان دائم على أخلاقيات التسامح والتعايش والحوار بين الثقافات والشعوب، وتظل معارض الكتب في الشارقة وفي أبوظبي ظاهرة ثقافية مؤسسية تتضمن فعاليات وأنشطة سنوية تتصاعد نوعياً من عام إلى آخر، غير أن أبرز ما شهدته الإمارات هذا العام، هو احتفاء معرض المكسيك الدولي للكتاب بالشارقة ضيف شرف الدورة السادسة والثلاثين للمعرض الذي يعتبر من المعارض التاريخية الكبرى في أمريكا اللّاتينية، والقوس الكاريبي المعروف بغزارته الروائية والشعرية بشكل خاص.

الاحتفاء بالشارقة ومشروعها الثقافي جرى في مدينة جوادالاهارا المكسيكية، والمناسبة التكريمية للشارقة، عرّفت بالثقافة الإماراتية والثقافة العربية، وشهد الكتاب والمثقفون والأدباء والفنانون في «جوادالاهارا» التي يطلق عليها «وادي الحجارة» مظاهر عديدة من صور الثقافة في الإمارات وبخاصة الثقافة الشعبية التراثية، وكالعادة ذهبت الشارقة إلى المكسيك بحصيلة وافرة من الأدب الإماراتي - المترجم إلى الإسبانية، وشكّلت المناسبة جسر ثقافة وحوار وتعارف بين الآداب العربية وأدب أمريكا اللّاتينية الذي نُقِل الكثير منه إلى العربية على يد مترجمين عرب كبار متخصصين في الإسبانية منذ النصف الثاني من القرن العشرين.

الحدث الثقافي الإماراتي الآخر هو انعقاد القمة الثقافية «2022» في أبوظبي، التي جمعت نخباً أدبية وفكرية وثقافية من الوطن العربي ومن العالم، وعالجت القمة قضايا تتصل بالبيئة والمناخ وأصول التراث وتداعيات وباء كورونا وهي معاً قضايا عالمية ذات أبعاد ثقافية مشتركة بين البشر في جهات العالم الأربع.

جاءت أعمال القمة تحت عنوان موجز لكنه عديد الدلالات: «الثقافة أسلوب حياة»، ومن ناحية عملية ينسجم هذا العنوان التشاركي مع التوجه العام لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو - ثقافة مستقبلية تخدم الإنسان أولاً، وتعينه على مواجهة - تحديات الأرض بما فيها الأوبئة والحروب والطبيعة وهي جميعاً تحمل إشاراتها الثقافية.

احتفالات الدولة باليوم العالمي للغة العربية الذي لم يعد فقط مجرّد مناسبة دولية، بل يتصل الاحتفاء بالعربية بسياسة الإمارات نحو ثقافة القراءة «شهر مارس من كل عام»، و«عشرية القراءة 2016-2026»، وهما حدثان أساسيان كل عام في الإمارات يلتقيان تماماً مع التوجّه الرسمي والشعبي لتعزيز شخصية اللغة العربية، والتأكيد على القيم الأدبية والاعتبارية الناجمة عن لغة الضاد، أي معاني الهوية، والثقافة، والدين، والبلاغة التاريخية المتمثلة في ديوان العرب.

يتصل اهتمام الدولة بثقافة وهوية وتاريخ اللغة العربية بالمشروع المعجمي الأكبر في تاريخ لغة الضاد، فقد احتفل اتحاد المجامع اللغوية العربية في القاهرة بصدور 36 مجلداً من «المعجم التاريخي للغة العربية» وصدرت حتى الآن ب 9 أحرف تم إنجازها خلال ثلاث سنوات من جانب فريق عمل متخصص يتألف من 301 باحث التقوا من 11 مجمعاً لغوياً عربياً برعاية كريمة ودعم من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

يشكل المعجم التاريخي للغة العربية القلب من مشروع الشارقة الثقافي، ويحمل المعجم الروح اللغوية والجمالية والتاريخية للكلمات، وهي مهمة لغويين ومعجميين في داخل كل واحد منهم مثقف وأديب ومبدع، الأمر الذي يعطي المعجم ميزته الثقافية والإبداعية.

يشار أيضاً في جردة كل عام ثقافي إلى الأنشطة السنوية - الثابتة، وهي هنا في الإمارات تتصل بأكثر من نشاط:.. العروض المسرحية الثابتة، أيام الشارقة المسرحية ومسرح الصحراء، ثم دورة الجوائز الأدبية، ومهرجان طيران الإمارات للآداب، ودورة الترجمة العالمية «مشروع كلمة في أبوظبي»، وهي معاً أنشطة أساسية ثابتة على أجندات المؤسسات التي تنظمها، لكن الجديد في هذا العام هو التعافي الثقافي الواضح في عمل المؤسسات والتخلّص الكلي من تداعيات ومخاوف وباء كورونا الذي خَلّف هو الآخر نوعاً من الأدب، وبخاصة في الرواية، ولعلّ إحدى أعمال الكاتب الإماراتي علي أبو الريش وهي رواية «الخوف من شيء ما» تؤكد على ظهور أدب جديد اعتمد في بناءاته الثقافية على الجائحة، وهذا ما يمكن أن ينتظر في المستقبل القريب ليس على مستوى الأدب في الإمارات، بل، في العالم كلّه.

(2)

عربياً، تبدو الساحات الثقافية، للأسف الشديد على صورة جزر متفرّقة متباعدة، فلا يوجد حدث ثقافي عربي له طبيعة وطنية أو ثقافية شاملة جامعة، فهناك معارض كتب سنوية تقام في عدد من العواصم العربية، وهناك أيضاً عروض مسرحية ذات طابع مهرجاني أيضاً ولكنها تظل ذات طابع محلي، هكذا، يبدو الحصاد الثقافي العربي يخص كل بلد على حدة، ومع ذلك، تحقق الإمارات نوعاً من وحدة ثقافية عربية في مظاهر ثقافية من مثل «مهرجان المسرح العربي» الذي يقام الآن في المغرب بتنظيم مشترك بين الهيئة العربية للمسرح، ووزارة الثقافة المغربية.

هذا المهرجان عربي بامتياز ويمكن أن نستخدم وصف: «حدث ثقافي عربي في 2022» بكل - اطمئنان، فالعروض مثلاً جاءت والتقت في المغرب من أكثر من سبع بلدان عربية، والمنتدون المفكرون - بثقافة المسرح هم نخب نوعية مسرحية من العديد من البلدان أيضاً - الأمر الذي يجعلنا نتفاءل بوجود حدث ثقافي عربي مُوَحِّدْ على روح المسرح العربي الذي يلتقي رجاله أيضاً في الشارقة في مناسبات مسرحية عدة منها أيام الشارقة المسرحية، والمسرح الصحراوي، وتصدر بالمناسبة كتب مسرحية من دائرة الثقافة والهيئة العربية للمسرح بأقلام عربية يجري تكريمها بجوائز أدبية إماراتية.

(3)

الحدث السياسي الأبرز في العام في 2022 هو الحرب الروسية على أوكرانيا، وتداعياتها السياسية والاقتصادية والبشرية الإنسانية، غير أن هذا الحدث السياسي في الصحافة الأوروبية وتحديداً في الصحافة الثقافية الفرنسية هو حدث ثقافي أيضاً، وليس فقط حدثاً سياسياً...

هذا ما نتابعه في صحافة القضايا الثقافية في أكبر الصحف الفرنسية، ولكن زاوية الحرب الروسية الأوكرانية بوصفها مادة ثقافية تظل تخصّ القارئ الفرنسي أو الأوروبي عموماً، مع أن التداعيات الثقافية للحرب الروسية الأوكرانية تخصّنا نحن العرب أيضاً، فكل حرب لها سؤال ثقافي، وروسيا وأوكرانيا ليستا بعيدتين عن البلاد العربية، ومع ذلك، لم يشكل هذا الحدث السياسي أي هاجس ثقافي للمثقفين العرب، وللصحافة الثقافية العربية.

ما هو الحدث الثقافي العالمي التقليدي كل عام، ويمكن التعليق عليه ثقافياً وصحفياً، واعتباره أيضاً مادة تخصّ العرب؟؟.. إنها جائزة نوبل للأدب التي ذهبت هذا العام للروائية الفرنسية «آني إرنو 82 عاماً».

تعود الكتابة السردية للروائية آني إرنو إلى العام 1974، حين أصدرت رواية بعنوان «خزائن فارغة» اعتبرها النقّاد آنذاك نوعاً من أدب السيرة الذاتية ومن حسن حظ القارئ العربي أنه هذه المرة لم يتفاجأ بنوبلي لا يعرف عنه شيئاً، لا بل أن «إرنو» معروفة عندنا في سوق الترجمة بكثرة: نقلها إلى العربية منذ العام 1994 أمينة رشيد وسيد البحراوي حين ترجما للعربية روايتها «المكان»، وقامت هدى حسين في العام 2005 بترجمة روايتها «الحدث» إلى العربية، ثم كرّت المسبحة كما يقولون فقد نُقِلَتْ آني إرنو إلى العربية بترجمات كل من: اسكندر حبش، نورا أمين، لينا بدر، سحر ستالة ومبارك مرابط، ولذلك حين أعلن فوز إرنو بنوبل بدا لبعض الكتّاب العرب، وكأن هذه المرأة أقل من نوبل.. «لأننا نعرفها»، وهكذا نحن العرب نتوق ونشغف بالغريب والغامض والمغلق.

رقم فرنسي

آني إرنو هي المرأة رقم 17 التي تفوز بنوبل للأدب، ولكن في مناسبة هذا الحدث العالمي في 2022 دعنا نتحدث قليلاً عن الفرنسيين ونوبل، فهم أكثر من حصدوها، وحين تأسست نوبل في العام 1901 كان أوّل فائز بها فرنسياً.. هو الشاعر «رينه سولي برودوم»، ليبلغ عدد الفائزين بنوبل للأدب حتى الآن 16 كاتباً فرنسياً بين روائي وشاعر وفيلسوف

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45dve5d4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"