الكذب والكذب الملعون والإحصاء

22:33 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي*

قد نعذر العوام والزعماء السياسيين إذا تساءلوا عن الكيفية التي يستطيع بها الاقتصاديون الأذكياء تحليل مجموعات البيانات التى تبدو ظاهرياً متماثلة، ويخرجون بنتائج مختلفة تماماً عن تأثير هذه السياسات الحكومية مثل المساعدات الأجنبية (إلى جانب سياسات أخرى).

ألا تؤكد هذه الاختبارات الإحصائية شيئاً أكثر من القول المأثور القديم إنه توجد ثلاثة أنواع من الأكاذيب: الكذب، والكذب الملعون. وعلم الإحصاء؟

إن إحدى الإجابات هي أن علماء الاقتصاد الذين تجادلوا بشأن المساعدات لم يستخدموا مجموعات البيانات نفسها، ولا النماذج نفسها في تحليلها أو اختبارها، وسبب آخر للاختلافات هو أن المحللين قد أجروا اختبارات إحصائية على فترات زمنية مختلفة، وفحصوا مجموعات مختلفة من الدول. وفي الحقيقة لقد نمت الصناعة الصغيرة التى كان يجري فيها علماء الاقتصاد «انحدارات Regression النمو عبر الدول». وذلك بدخول اقتصاديين جدد في المجال، يقومون بالعثور على سلاسل بيانات جديدة أو ببنائها ثم يضيفونها إلى سلاسل البيانات المتاحة من قبل.

وبصفة عامة لقد تم الحصول على مجموعة كبيرة من النتائج من الاختبارات الإحصائية، التى ذكرت في الدراسات الرائدة. ويمكن للمرء خاصة أن يجد، إلى حد كبير، أي نتيجة أو نتائج كان يبحث عنها، معتمداً على ما يريد من المتغيرات والدول والفترات الزمنية التى يريد أن يضمنها في الانحدار، وهذا الوضع ليس مريحاً لصانعي القرار وللآخرين من خارج المهنة، لكنها الحقيقة وإلى حد ما، ينبغي أن يكون هذا متوقعاً، إذ إن عدداً من سلاسل البيانات قد بني ليمثل بعض المتغيرات النوعية التى كان يظن أنها تؤثر على النمو – مثل حكم القانون، والفساد، والانفتاح على التجارة – ما هي إلا مؤشرات جمعها إما الباحثون أنفسهم أو بعض المنظمات أو الهيئات المهتمة بالموضوع. ونتيجة لذلك، فإنه يوجد في سلاسل البيانات هذه عنصر ذاتي غير موجود في المتغيرات الأكثر موضوعية، مثل نفقات الاستثمار وساعات العمل التي تم القيام بها، رغم أن هذه المتغيرات القياسية لها مشاكلها المتعلقة بالقياس، لا سيما بالنسبة للدول النامية، حيث تقل بها مصادر جمع البيانات الاقتصادية عن الدول الغنية. فليس من المستغرب إذن أن بعض علماء الاقتصاد الذين قاموا بتنفيذ هذه الاختبارات الإحصائية قد تشككوا في فائدتها ودقتها، وكان روس ليفين وديفيد رينلت من أوائل المتشككين.

كما اقترح إيسترلى أنه لا توجد متغيرات قياسية – حتى تلك التى تتضمن عوامل نظرية قوية مثل الاستثمار في المعدات – مرتبطة ارتباطاً مستمراً وموثوقاً به بالنمو الاقتصادي. ولكن إيسترلى وليفين يعدان من الأقلية في هذا المجال. أما معظم علماء الاقتصاد الذين قاموا بدراسة النمو فيعتقدون، بدرجة أو أخرى، أن الاختبارات الإحصائية تساعد، على الأقل، في التعرف على المتغيرات التى تساهم في النمو، رغم أنهم يقرون أنه مازالت هناك شكوك كثيرة بشأن الحجم النسبي والمطلق لكل من هذه المساهمات. وعلى سبيل المثال، من الصعب الاعتقاد أن الاستثمار في رأس المال المادي والبشري لم يحدث فرقاً نحو زيادة الإنتاج، وبالمثل، نحن نعرف، مع أقصى ما يمكن من التجريد، أن الحوافز مهمة للنمو، كما أقر بذلك إيسترلى، ولم يكن الأمر مصادفة أن الدول التي سمحت للأفراد والشركات بأن يحوزوا ممتلكاتهم وأن يجنوا ثمار جهودهم قد استمتعوا فيها بمزيد من الرفاهية أكثر من الاقتصادات المخططة مركزياً، فلم يتمتع الأفراد والشركات فيها بهذه الحقوق.

والتحدي الذي يواجهه علماء الاقتصاد وصانعو القرار والمواطنون حول العالم هو أن يروا إذا كان في الإمكان تقديم المزيد من البيانات المحددة عن العوامل المهمة للنمو؛ فبينما كان هناك إجماع في وقت من الأوقات، على الأقل، بين صناع القرار والاقتصاديين المستقرين في واشنطن بشأن السياسات التي تؤدي في الغالب إلى النمو، لم يعد هذا الإجماع موجوداً. (وهذا واضح بين محللي السياسة، مثل ويليامسون وروديك، إلى جانب آخرين) الذين يكتبون عن النمو، وكذلك يتضح هذا في النتائج المختلفة، وأحياناً غير المتناسقة لمجموعة الدراسات الإحصائية عن النمو التي تحاول شرح الفرق الكبير في أنماط النمو بين الدول.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4rpyf3mt

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"