لا يمكن أن يكون الفصل خياراً

21:36 مساء
قراءة 3 دقائق

جون غونغ *

يرتكز محور سياسة المنافسة الذي تتخذه الحكومة الأمريكية مع الصين على مبدأ «الفصل» أو فك الارتباط، الذي بدأته إدارة ترامب ووسّعته إدارة بايدن لاحقاً. وهو ليس محوراً جديداً عندما يتعلق الأمر بأقوى سلطة عالمية تتعامل مع التحديات التي تفرضها قوة منافسة صاعدة.

وكانت الولايات المتحدة نفسها يوماً من الأيام في الجانب المتلقي للصدمات بعد قرار الفصل الذي لجأت إليه المملكة المتحدة خلال الجزء الأفضل من القرن التاسع عشر، إبّان الثورة الصناعية في أوروبا. وما قاطعته بريطانيا العظمى آنذاك كان المنسوجات والتقنيات ذات الصلة فقط. لكن اليوم، عندما أصبحت واشنطن الطرف البادئ بفك الارتباط، أصبح نطاق المقاطعة أوسع بكثير.

كان من المفترض أن تكون استراتيجية الفصل المتبعة في إدارة بايدن، بعد وصولها إلى السلطة في عام 2021، ما يمكن تسميته ب «ساحات صغيرة ذات أسوار عالية»، وهذا يعني أنه يلزم حماية عدد محدود فقط من التقنيات وبكثافة أكبر. لكن ما حدث بالفعل هو أن الساحات الصغيرة تلك تحولت إلى كبيرة وبأسوار أكثر عُلواً، خاصة فيما يتعلق بإجراءات وزارة التجارة الأمريكية المتعلقة بقائمة الكيانات المستهدفة والتي تستمر في التوسع بوتيرة غير مسبوقة. وآخرها الإفصاح عن نوايا حقيقية بحجب شركة «هواوي» الصينية كلياً عن جميع الموردين الأمريكيين الذين يزودونها بالمعالجات والمكونات الأساسية في صناعة الهواتف الذكية، إضافة إلى سحب جميع الإعفاءات الممنوحة سابقاً لهؤلاء الموردين بعد أن كان يُسمح لهم في الماضي ببعض الاستثناءات لحماية المصالح التجارية للأعمال الأمريكية في الصين.

لسنوات عدة، واجهت شركة الاتصال العملاقة قيوداً على تقنية «جي 5» وغيرها، ومع هذا، كانت الحكومة الأمريكية تمنح تراخيص لبعض مورديها لبيع سلع وتقنيات معينة للشركة الصينية. وعلى سبيل المثال، حصلت «كوالكوم» على إذن في عام 2020 لتزويد «هواوي» برقائق «جي 4» للهواتف الذكية. لكن الحال تغير الآن، وأوقفت الولايات المتحدة على ما يبدو منح تلك التراخيص.

مثل هذه التصرفات غير المسؤولة، إلى جانب التصريحات الهستيرية الصادرة عن الكونغرس الأمريكي، خلقت مناخاً سياسياً مسموماً في واشنطن، ومنعت أي خطاب عقلاني حول سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين من الحدوث. لا بل أصبح العديد من السياسيين الأمريكيين يتنافسون مع بعضهم بعضاً لإثبات من موقفه أكثر حدة من الآخر في التعاطي مع الملف الصيني.

وبمرور الوقت، امتزج المناخ السياسي الكئيب بعالم الأعمال، لا سيما مجتمع الأعمال الأمريكي العامل في الصين الذي تعرض، ولا يزال، لضغوط من بعض السياسيين الأمريكيين لفك الارتباط. وكلها إشارات واضحة مفادها أن التعامل مع بكين غير مرحب به في واشنطن، على الرغم من أن العديد من الشركات الأمريكية لا تزال مزدهرة وتحقق أرباحاً في الصين.

من الواضح تماماً أن تحركات السياسيين الأمريكيين تجاه فك الارتباط أو «الانفصال» عن الصين، هي مسألة وقت لا قرار. فالقرار اتُخذ، والدلائل واضحة، ويبقى التنفيذ الفعلي. ومثال ذلك ما يجري الحديث عنه حالياً من ضغوط كبيرة تتعرض لها شركة «ديل» الأمريكية، وبأنها، حسبما ورد، ستتوقف عن شراء منتجات أشباه الموصلات من الصين، مع إمكانية نقل بعض عملياتها خارج البر الرئيسي مستقبلاً، في وقت نقلت فيه «أبل» بالفعل بعض وحدات إنتاجها إلى الهند.

يمكن أن يُعزى تطور الصين على مدى الأكثر من أربعة عقود الماضية جزئياً إلى مشاركتها الناجحة في سلسلة القيمة العالمية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها، ومساهمات الكثير من الشركات متعددة الجنسيات، ومن بينها الأمريكية طبعاً. وفقدانها اليوم سيكون بلا شك خسارة كبيرة لاقتصاد البلاد، لكن في المقابل، ستتكبد هذه الشركات أيضاً خسائر فادحة إذا ما خسرت السوق الصيني المتنامي.

لم يكن الانفصال أبداً، ولا ينبغي له أن يكون، خياراً على الطاولة، وعلى بكين وضع سياسات لمواجهة مثل هذه التحركات، وعدم إلقاء اللوم مباشرة على الشركات التي تغادر الصين أو تفكر في مغادرتها. وبالنسبة لأولئك الذين لم يتخذوا قرارهم بعد، نحتاج إلى إقناعهم بالبقاء في الصين، وإيجاد طرق لمساعدتهم على النمو وحل مشاكلهم. ومن المهم أيضاً أن تكون المنافسة بين الولايات المتحدة والصين عادلة، لأنه لا يمكن للمرء أن يفوز في هذا السباق بالإكراه؛ بل بالإقناع والتعاون.

وبما أن السنوات الثلاث الماضية، كانت صعبة للغاية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الجائحة وتداعياتها، دعونا نركز اليوم على نمو اقتصاد هذا العام والعام المقبل، لنبرهن للشركات الأجنبية أن الصين مكان أفضل للنمو من أمريكا الشمالية وأوروبا.

*أستاذ الاقتصاد بجامعة الأعمال الدولية في بكين (تشاينا ديلي)

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39kwurjs

عن الكاتب

أستاذ الاقتصاد بجامعة الأعمال الدولية في بكين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"