إعمار الأرض

22:46 مساء
قراءة 3 دقائق

عدنان أحمد يوسف *

لقد كان الشيخ صالح كامل، رحمه الله، من أوائل الداعين إلى إعمار الأرض من خلال الإنماء والتشغيل، فكان كثيراً ما يركز على خلق اقتصاد إسلامي لإعمار الأرض وتشغيل الناس. ولذلك بادر منذ سبعينات القرن الماضي إلى الاستثمار في الصيرفة الإسلامية في الكثير من الأقطار. ولم يكتف بذلك، بل حرص على توجيه مساراتها وخدماتها ومنتجاتها وثقافتها لكي تكون جميعها متوافقة مع الشريعة الإسلامية والصيرفة الحقيقية التي تساهم في إعمار الأرض.

ومنذ بداية صناعة التمويل الإسلامي في السبعينات، كان هناك نمو مطرد في الطلب على المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وبلغ إجمالي أصول الصناعة المصرفية الإسلامية 3 تريليونات دولار أمريكي، على مستوى العالم في عام 2022.

لقد أثبت التمويل الإسلامي قدرته على الصمود بوجه الأزمات المالية نظراً لطبيعة هياكل منتجاته وخدماته. وتمكنت البنوك الإسلامية من إظهار هذه المرونة في التغلب على تداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2008، بأقل الخسائر الممكنة. والسبب في ذلك أن البنوك الإسلامية تقدم خدمات قائمة على المشاركة في المخاطرة وتحظر تنفيذ المعاملات غير الأخلاقية وعالية المخاطر والمشتقات المالية.

كما يشجع النظام المصرفي الإسلامي الشفافية بين المؤسسات وعملائها. إضافة إلى ذلك، يتم ربط جميع التدفقات النقدية بالأصول الحقيقية في الاقتصاد، وهذا يعني أنه من الصعب جداً إنشاء مستويات غير عالية من المديونية من دون أن تكون مدعومة بأصول حقيقية، في حين أن الخدمات المصرفية التقليدية يمكن أن تنشئ مستويات عالية من الديون من دون غطاء من الأصول الحقيقية. وقد عملت هذه المبادئ على تجنيب مؤسسات التمويل الإسلامي مخاطر الإفلاس التي واجهتها العديد من البنوك التقليدية خلال الأزمة الماضية.

وفي عام 2005، عندما ترأست فريق التمويل التابع لمجموعة العشرين، الذي كان يهدف إلى وضع مقترحات لتطوير دور التمويل في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كان أحد المقترحات الأساسية التي خرجنا بها هو الإقرار بدور التمويل الإسلامي، أو التشاركي، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد أقرت قمة العشرين هذا الهدف، ما عزز من الانطلاقة العالمية للتمويل الإسلامي بكونه يقدم معالجات وحلولاً ناجحة للتحديات التي يواجها تحقيق هذه الأهداف.

وخلال أزمة جائحة كورونا ساهم التمويل الإسلامي في برامج التعافي الاقتصادي من خلال قناة الزكاة. أما على المدى المتوسط، فإن تمويل التجارة وشراء المعدات الصحية والأدوية والغذاء، كذلك تمويل المعدات والموارد ومصادر الرزق الأخرى، تعتبر آلية رئيسية تمكنت البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية من خلالها دعم التعافي الاقتصادي والاجتماعي.

مع ذلك، هناك تحديات يجب أن تواجهها البنوك الإسلامية من أجل تعزيز مساهماتها في إعمار الأرض. حيث لا يزال التمويل الإسلامي يفتقر إلى مجموعة عالمية من المعايير المقبولة من قبل جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الصكوك. وعندما تصبح الصكوك قابلة للمقارنة بالأدوات التقليدية، من منظور الكلفة والجهد، يُعتقد أن الصكوك سوف تجد مكاناً أكثر بروزاً في النظام المالي العالمي.

من المجالات الهامة الأخرى التي يجب أن تهتم بها البنوك الإسلامية، هي الاستدامة في القطاع المصرفي الإسلامي، حيث إن هناك قلقاً متزايداً على الصعيد الدولي من أن المصارف يجب أن تساهم في أهداف التنمية المستدامة طويلة الأجل.

وفي سياق التنمية، هناك العديد من الفجوات التمويلية التي تحدث في المجتمع، تراوح من تمويل تطوير البنية التحتية إلى تمكين المشاريع الصغرى والصغيرة والمتوسطة. ولا يمكن تمويل أجندة التمويل فقط من الأموال الحكومية، ولكن يجب أيضاً دعمها بتمويل مبتكر من جميع الأطراف بما في ذلك البنوك الإسلامية.

كما أن على البنوك الإسلامية الإسراع في وتيرة الرقمنة، والخدمات المصرفية عبر الهاتف والقنوات الرقمية. وبالنسبة لبعض البنوك، قد يعني هذا شراء التكنولوجيا، وقد تكون هناك عمليات الاستحواذ أو التحالفات مع شركات التكنولوجيا. وعلى الصيرفة الإسلامية أن تواكب هذه التطورات من خلال رقمنة المنتجات التي تقدمها والعقود التي تتعامل معها.

وتحتاج البنوك الإسلامية إلى تبنّي الاتجاه نحو التمويل القائم على توليد القيمة المضافة للمجتمع والاقتصاد، وأن تُعد وتنفذ استراتيجياتها أعمالها الأساسية القائمة على القيم المسؤولة اجتماعيا، لا سيما في مجالات مثل التنمية المستدامة.

* رئيس جمعية مصارف البحرين ورئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckwccue

عن الكاتب

رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"