الهند والتكتلات التجارية

23:53 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي

التجارة لا تعزز التحالفات فحسب، لكنها أيضاً تعزز اقتصادات الدول المتحالفة، بجعلها أكثر قدرة على مقاومة توسع نفوذ المنافسين. وقد بدأت التجارة العالمية فعلاً في التغير، فبعد انسحاب إدارة «ترامب» من اتفاقية المشاركة عبر المحيط الهادئ عام 2017 وكان هذا الموقف يدعو إلى التساؤل؛ إذ إن تلك الاتفاقية كانت تعد حجر الزاوية في «المحور الآسيوي»، الذي تطمح إليه الولايات المتحدة. في إطار السعي إلى تحقيق استدامة وتقوية القيادة الأمريكية في منطقة «الإندوباسيفيك» والتنافس الاستراتيجي بين أمريكا والصين، وتحويل مركز الثقل العسكري الأمريكي من منطقة الأطلسي إلى حوض الهادئ؛ وذلك يعد أساساً لمواجهة القوة الصينية الصاعدة.
وحاولت إدارة بايدن تدارك ذلك عبر الإعلان عن انطلاق الإطار الاقتصادي IPEF بمشاركة 13 دولة إضافة إلى الهند، وهو ترتيب اقتصادي للقرن الحادي والعشرين صُمم لمواجهة التحديات الاقتصادية للقرن الحادي والعشرين، بدءاً من وضع قواعد الطريق للاقتصاد الرقمي، إلى ضمان سلاسل التوريد الآمنة والمرنة، للمساعدة في إجراء أنواع الاستثمارات الرئيسية اللازمة في البنية التحتية للطاقة النظيفة والتحول إلى الطاقة النظيفة، إلى رفع معايير الشفافية، والضرائب العادلة، ومكافحة الفساد.
ولكن ساد الاعتقاد بأن مسيرة ذلك الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ المستقبلية ما زالت غامضة، لأنه ليست هناك مزايا واضحة يمكن أن تتمتع بها الدول الأعضاء، مثلما تتمتع به الدول تحت نظام اتفاقيات التجارة الحرة، بما في ذلك إلغاء التعريفات الجمركية. كما أن بعض الموقعين أصيبوا بخيبة أمل لأن الاتفاقية لا تتضمن أحكاماً لزيادة الوصول إلى السوق الأمريكية. لقد فشل هذا الإطار ببساطة في تلبية أفضليات التعريفات التي طال انتظارها، والوصول الموسع إلى الأسواق من قبل بلدان المنطقة. وتأكيداً لذلك في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي امتنعت الهند عن المشاركة في محادثات تجارية مع دول آسيوية بقيادة الولايات المتحدة، دامت يومين في لوس أنجلوس وتجنبت مرة أخرى تسهيل الوصول إلى أسواقها من خلال اتفاق تشارك فيه بلدان عدة، فيما تمضي قدماً مع الدول الأخرى في مجالات تشمل سلاسل التوريد والطاقة النظيفة، وكانت الهند الدولة الوحيدة المشاركة في تجمّع «الإطار الاقتصادي من أجل رخاء المحيطين الهندي والهادئ»، التي لم توقع على مسار مفاوضات التجمّع بشأن التجارة. وموقف الهند يثبت فشل هذا الإطار في تلبية أفضليات التعريفات التي طال انتظارها والوصول الموسع إلى الأسواق من قبل بلدان المنطقة.
الهند اتخذت خطوة مماثلة في عام 2019، عندما قررت الخروج من المحادثات بشأن «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة»، التي تدعمها الصين، وهو أضخم اتفاق للتجارة الحرة الإقليمية في العالم؛ إذ يشمل نحو ثلث السكان والناتج المحلي الإجمالي في العالم، منذ عام 2012، سعت رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، جنباً إلى جنب مع شركائها في الحوار - كوريا الجنوبية والصين واليابان وأستراليا ونيوزيلندا- إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة الضخمة، والتي يمكن أن تخلق كتلة اقتصادية تمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي بالعالم. وسعى الاتفاق القوي المكون من 15 عضواً في الأصل إلى ضم الهند أيضاً، لكن نيودلهي قررت في النهاية عدم الانضمام إلى الكتلة. بسبب سلسلة من الشكوك والمخاوف. ولم تتعزز الشكوك والمخاوف إلا بعد انتشار جائحة فيروس كورونا والعراقيل التي شهدها العالم في سلاسل الإمداد العالمية بسبب فرض الدول إغلاقاً وقيوداً من حين إلى آخر. لكن الدول الموقعة ما زالت تريد أن تكون الهند جزءاً من هذه الشراكة. فقد اعترف وزراء كل دول «آسيان» ال10، إلى جانب أستراليا والصين واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، أنه على الرغم من عدم تمكن الهند في الوقت الحالي من التوقيع على اتفاق الشراكة، ما زال الباب مفتوحاً أمام نيودلهي، لتنضم إلى باقي الدول. وبرّر رئيس الوزراء ناريندرا مودي آنذاك انسحاب بلاده بمخاوف بشأن كيفية تأثير هذه الشراكة في سبل عيش مواطنيه، وخصوصاً الأكثر هشاشة منهم.
وتبقى الهند القوة البارزة الوحيدة المنتسبة إلى منظمات يعدها الغرب منافِسة له، أو حتى عدائية تجاهه، إضافة إلى مجموعة «بريكس»، تنتسب الهند أيضاً إلى «قمة شرق آسيا»، و«منتدى آسيان الإقليمي»، و«التحالف الرباعي»، و«منظمة شنغهاي للتعاون». وتؤكد عضوية الهند في هذه المنتديات كلها، رغبتها في حماية استقلاليتها في مجال السياسة الخارجية وتقاسم السلطة العالمية على نطاق أوسع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2hdmm2bw

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"