تايوان و«اللعب بالنار»

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

أيّاً تكن المبررات التي تسوقها واشنطن في تعاملها مع رئيسة تايوان تساي إنغ - وين، لدى توقفها في نيويورك في طريقها إلى منطقة البحر الكاريبي، ثم اجتماعها خلال العودة مع رئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفن مكارثي، في كاليفورنيا، فإن الأمر سيكون مستفزاً بالنسبة إلى الصين، ويرفع من منسوب التوتر القائم بين واشنطن وبكين.
 من الطبيعي أن ترفض الصين التي تعتبر تايوان جزءاً لا يتجزأ من الوطن الأم، أية مظاهر سيادية يمكن أن توفرها واشنطن للجزيرة، باعتبارها تتمتع بالحكم الذاتي فقط، وتخضع لاتفاق صريح يقوم على مبدأ «صين واحدة»، منذ الاعتراف الأمريكي بجمهورية الصين الشعبية عام 1979. فكيف سيكون رد فعل بكين عندما يتعلق الأمر، ليس باستقبال رئيسة تايوان كرئيسة دولة ذات سيادة فقط، وإنما توفر لها كل مقومات السيادة الحقيقية، وتشجعها على الانفصال وتقدم لها الحماية السياسية والعسكرية، وتغرقها بصفقات الأسلحة الحديثة، في خرق واضح للاتفاق المذكور، ثم تطلب من الصين عدم المبالغة في ردّة فعلها. 
  لكن ذلك بالطبع، لم يمنع القائم بالأعمال الصيني في واشنطن من تحذير الولايات المتحدة من مواصلة «اللعب بالنار»، في مسألة تايوان، معتبراً أن «الذين يلعبون بالنار يقضون بالنار»، قبل أن يضيف كدبلوماسي «هذا ليس تهديداً». من الواضح أن واشنطن، التي استبدلت بمبدأ «صين واحدة»، سياسة «الغموض الاستراتيجي» في تايوان، تسعى دائماً للضغط على الصين، ووضعها في الحالة الدفاعية، عبر إنشاء الأحلاف العسكرية ومحاصرة بحرها الجنوبي، وتحويل تايوان إلى شوكة في خاصرة بكين قابلة للانفجار في أية لحظة، بدلاً من العمل على توحيد تايبه وبكين، سلمياً. 
 خطورة هذا التوجه الأمريكي تكمن في جانبين، الأول هو هذا التوقيت الحساس، والظرف الدولي الأكثر حساسية مع انشغال العالم بالحرب الأوكرانية وتداعياتها، والمخاوف الدولية من فتح جبهة صراع جديدة في تايوان من المؤكد أن المجتمع الدولي غير قادر على احتمالها. والثاني هو أن الصين لم تعد هي ذاتها قبل عشرة، أو عشرين عاماً، وإنما أصبحت قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية هائلة، وتحولت إلى المنافس الأهم للولايات المتحدة، بل تفوقت عليها في كثير من المجالات، وفق بعض التقارير، واعترافات الأمريكيين أنفسهم. وبالتالي، فإن استفزاز الصين بهذه الطريقة المتعمدة، كما يبدو، قد تكون له تداعيات خارج الحسابات المنضبطة، وربما إلى رد فعل صيني غير متوقع. 
 أما إذا كان الهدف هو ردّ انتقامي على التقارب الصيني- الروسي، فمن الواضح أن مفاعيله ستكون عكسية، وسط إصرار روسي- صيني على دفع العلاقات بينهما إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، وتغيير قواعد اللعبة العالمية، وقيام نظام دولي جديد أكثر عدالة وشمولية. والأسوأ أن أوراق الضغط التي تمتلكها واشنطن، باتت تنقلب ضدها في الكثير من مناطق العالم، ولم تعد سياسة «الهروب إلى الأمام» مجدية في ظل اكتساح روسي- صيني للعديد من مواقع النفوذ الأمريكية، وبالتالي، فإن سياسية «اللعب بالنار»، على خطورتها، تحمل في طياتها، ضمناً، مزيداً من الانحسار للنفوذ الأمريكي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bd6mc4e5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"