الدبلوماسية المصرية في زمن مختلف

00:54 صباحا
قراءة 3 دقائق

أراقب بكل الحرص والاهتمام النقاش الدائر في مجتمع الدبلوماسيين، المتقاعدين منهم والعاملين، حول أهمية الاتفاق أو التوافق على ما تغير في سياسات الدول الكبرى وفي توازنات القوة الإقليمية وبالتالي حول ضرورة «تحديث» الدبلوماسية المصرية استعداداً للتعامل بكفاءة ودراية مع هذه التغيرات.
 أتفهم المنطق المستند إلى جدوى الاعتماد على خبرة الدبلوماسية المصرية في مختلف مراحلها. 
 لا جدال في أن الدبلوماسية المصرية كانت من بين دبلوماسيات قليلة في العالم النامي انضمت مبكراً إلى النظام الدبلوماسي العالمي، وبالأصح النظام الأوروبي. بل وربما استفادت بشكل غير منتظم من الطبيعة القانونية المستقلة نسبياً عن الإمبراطورية العثمانية خلال القرن التاسع عشر، ويذهب البعض إلى أبعد في القدم. 
 ومن الخبرات المكتنزة في عقل الدبلوماسي المصري المعاصر خبرة الدبلوماسية المصرية في أساليب العمل في ظل نظم دولية متنوعة. جربت وبدرجات مختلفة من النجاح التعامل في ظل قواعد نظام دولي متعدد الأقطاب خلال المرحلة السابقة على نشوب الحرب العالمية الثانية، وفي ظل نظام دولي ثنائي القطبية وهو النظام اللاحق لانتصار الحلفاء في تلك الحرب، ثم في ظل انفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم في أعقاب انتصارها في الحرب الباردة وتأكيد فرض إرادتها.
 من المثير بالتأكيد انتقال الدبلوماسية المصرية بمرونة واستجابة من أسلوب إلى آخر، بل نجازف بالقول إنه يحسب لها، أو عليها، تحقيق سبق مهم على عديد الدبلوماسيات الإقليمية في هذا المضمار. شمل السبق قضايا الموقف من القضية الفلسطينية وعقد صلح مع إسرائيل وتبرير الاشتراك في حرب ضد العراق وعدم الاعتراض على حرب ثانية ضده. شهدت الفترة على كل حال مرحلة انكماش في مختلف أنشطة الدبلوماسية المصرية. انسحبنا قليلاً أو كثيراً من العمل في إفريقيا منذ أن حل الكمون بالسياسة الخارجية المصرية عموماً ودبلوماسيتها خصوصاً. خسرت مصر وقتها أرصدة مهمة وتبذل حالياً جهوداً صعبة التحمل لاستعادة بعض ما فقدته من مكانة في هذه القارة وموقعنا الاستراتيجي فيها ومن الوزن الموروث عن فترة تألقت فيها الدبلوماسية المصرية في إفريقيا. تألقت وهي تطارد استعماراً شرساً بوجهيه البريطاني والفرنسي وترفض في الوقت نفسه أن تكون ذراعاً للشيوعية ورغبات موسكو للتوسع في القارة.
 للدبلوماسية المصرية أساليبها المستترة، وهي أساليب صارت تستخدمها دبلوماسيات أخرى. أعني بطبيعة الحال الدور المتعاظم الذي صارت تلعبه أجهزة الاستخبارات في مجال العمل الدبلوماسي. كنت شاهداً على المرحلة الأولى من بدء تعاظم هذا الدور. أعني أيضاً من الأساليب ما يمكن تسميته بدبلوماسية المبعوثين الشخصيين. أذكر بكثير من التقدير حسن صبري الخولي الذي أدى خدمات كبيرة للدبلوماسية المصرية في دول الخليج كمبعوث شخصي للرئاسة المصرية، وخدمات، ليست أقل أهمية، للدبلوماسية الجماعية العربية كمبعوث شخصي للأمانة العامة لجامعة الدول العربية في لبنان وسوريا واليمن في عهد محمود رياض، أذكر أيضاً وبكل التقدير المهام العديدة التي نفذها الأخضر إبراهيمي مبعوثاً للأمم المتحدة والجامعة العربية وآخرون.
 نسأل أنفسنا كدبلوماسيين تقاعدوا حديثاً أو من فترة غير قصيرة، وكمراقبين وإعلاميين متخصصين في هذا الفرع من فروع الدبلوماسية الشاملة، نسأل هل في دبلوماسيتنا المصرية على امتداد عصور نهضتها وعصور تعثرها ما يساعد في عملية خلق نظام إقليمي جديد. 
 أستطيع هنا، وشاكراً فضل من أنست لهم من خيرة الدبلوماسيين المصريين، أن أضع على رأس قائمة قضايا الاهتمامات العاجلة في المرحلة القادمة للنظام العربي وهي المرحلة التي يجب أن تتضافر من أجل نجاحها الخبرات والتجارب التي مارستها مختلف الدبلوماسيات العربية، من هذه الموضوعات، موضوع التمسك بسياسة عدم الانحياز وبخاصة في المرحلة الدقيقة الراهنة، منها ثانياً: موضوع الأمن الإقليمي، ومنها ثالثاً: موضوع إنشاء هيئة داخل إطار الجامعة العربية للدبلوماسيين والخبراء المتخصصين في تسوية النزاعات، ومنها رابعاً: موضوع التكامل الاقتصادي، وخامساً: هيئة استشارية مختصة بشؤون دول الجوار الإقليمية والعلاقات معها.
 يبقى في النهاية أن أشهد وأعترف بأنني أجد آمالي مع آمال الأمة العربية لا تزال معلقة على واجب إحياء النظام الإقليمي العربي وتطوير مؤسساته وتحقيق أهدافه. هذا الواجب يعتمد الوفاء به على جهود هائلة يجب أن يجري على الفور تسخيرها استعداداً لبناء جبهة متناسقة تضم الدبلوماسية المصرية، بعد تحديث آلياتها وتطوير إمكاناتها، إلى الدبلوماسيات العربية الأخرى، جبهة واعية لضخامة التحولات الجارية على مستوى النظام الدولي قيادة وهياكل وعلى مستوى النظام الإقليمي قيادة وهياكل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeyuteub

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"