عادي
(جبر الخواطر)

النبي يختار التخفيف على أمته

00:17 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

يقول عدنان الطرشه فى كتاب «ماذا يحب النبي» كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفه الله تعالى فى كتابه الكريم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة التوبة: 128)، فمن رأفته ورحمته وشفقته على أمته أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يخفف عنهم من الأعمال ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وذلك خوفاً من أن يشق أو يثقل عليهم. وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف عن الناس والتيسير عليهم فقال صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا). ذلك لأن التنفير يصاحب المشقة غالباً وهو ضد التسكين، والتبشير يصاحب التسكين غالباً وهو ضد التنفير. وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه «ما خُير بين أمرين إلا أخذ أيسرهما».

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا..)، ففيه الدعوة إلى عدم مشادة الدين، والتزام الصواب من غير إفراط ولا تفريط والعمل بما يقرب من الكمال إن لم يكن بالاستطاعة الأخذ به، ثم الثواب على العمل الدائم وإن قل.

وكان صلى الله عليه وسلم يدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يُفرض على الناس، وعن ذلك تقول عائشة: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم). فما أعظم من ذلك لجبر خاطر أمته والتخفيف عنهم.

يضيف: عندما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وأُمر بخمسين صلاة ظل صلى الله عليه وسلم يتردد إلى ربه يسأله التخفيف لأمته فيضع الله عز وجل عنه عشراً بعد عشر ثم خمس حتى صار عددها خمس صلوات في اليوم والليلة.

وذات ليلة تأخر النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة العشاء إلى قريب متنصف الليل فخرج عمر فقال: (الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان. فخرج ورأسه يقطر يقول: «لولا أن أشق على أمتي- أو على الناس- لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة». وقال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه».

ولولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، وأنه لو خرج ما بقي أحد فيه خير إلا انطلق معه، وفي ذلك مشقة عليه صلى الله عليه وسلم وعليهم- لما تخلف صلى الله عليه وسلم عن سرية تغدو في سبيل الله، وقال: «ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل»، وفي هذا الحديث ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الشفقة على المسلمين والرأفة بهم وأنه كان يترك بعض ما يتمنى رفقاً بالمسلمين وتخفيفاً عنهم، وسعياً في زوال المكروه والمشقة عنهم. فما أجمل من ذلك من رحمة وحب وتخفيف وتطييب لخاطر أمته.

أما السواك فلولا أنه يريد التخفيف على أمته وعدم تكليفهم بما يشق عليهم لأمرهم بالسواك عند كل وضوء، وعند كل صلاة، قال صلى الله عليه وسلم: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة»، وذلك لما في السواك من الفوائد.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التخفيف على أمته ويكره أن يشق عليهم سواء في كبير الأمور أم صغيرها، حتى ولو دخل في الصلاة التي هي من أحب الأشياء لديه وجُعلت قرة عينه فيها ويحب أن يطولها فإنه كان يحففها ويقرأ بالسورة القصيرة إذا سمع بكاء صبي، وذلك بسبب ما يعلم من شدة حزن أمه من بكائه ولأنه يكره أن يشق على أمه.

قال أنس بن مالك: «ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تُفتن أمه». فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً بأمته وحريصاً على مصالحهم الدينية فكان يخفف الصلاة مخافة أن تلتهي أم الطفل الباكي عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً جداً بالأطفال ويكره كسر خاطرهم ويحب ملاطفتهم وتقبيلهم ووضعهم في حجره وعلى فخذه، ومن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال وكرهه لكسر خاطرهم، أنه صلى الله عليه وسلم قدم مراعاة خاطر الطفل على المحافظة على المبالغة في الخشوع في الصلاة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pmxfdhc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"