عادي

الصابرون.. أهل الفضل يوم القيامة

23:44 مساء
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

للصابرين عند ربهم منزلة عظيمة؛ فهم يلقبون يوم القيامة ب«أهل الفضل»، نظراً لما يلاقون في دنياهم من ابتلاءات فيصبرون عليها.

عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له. رواه مسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم. ويقول المولى تبارك وتعالى: «وَاللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ» آل عمران: 146.

يؤكد فتحي الإبياري في «الموسوعة المحمدية» أنه وردت في السنة النبوية أحاديث كثيرة عن رسول الله في بيان فضل الصبر والحث عليه، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر في الدنيا والآخرة، منها: عن أنس رضي الله عنه قال: مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: «اتقي الله واصبري»، فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبي فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»، فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمتها، فإن من صبر عند الصدمة الأولى انكسرت حدة المصيبة وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر. فكان ذلك جبراً لخاطرها.

صبر آل ياسر

تفنن سادة قريش في تعذيب الذين أسلموا، ومنهم عمار بن ياسر هو وأبوه وأمه، وقد أسلم ورسول الله في دار الأرقم بن أبي الأرقم، بعد بضعة وثلاثين رجلاً. وكان ياسر حليفاً لبني مخزوم، فكانوا يُخرجون عماراً وأباه وأمه إلى الأبطح، أي الفضاء الواسع الذي يكثر فيه الحصى. وإذا حميت الشمس يعذبونهم.

مر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: «صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة». ومات ياسر من العذاب، وأغلظت امرأته سمية القول لأبي جهل، فطعنها في قُبُلها بحربة في يديه، فماتت. وهي أول شهيدة في الإسلام.

وشددوا العذاب على عمار، وقالوا: لن نتركك حتى تسب محمداً وتقول في اللات والعزى خيراً، ففعل، فتركوه، فأتى النبي يبكي، فقال له ما وراءك؟ قال عمار: شر يا رسول الله!! كان الأمر كذا وكذا، قال: فكيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئناً بالإيمان. قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: يا عمار، إن عادوا فعد. فأنزل الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ». سورة النحل: الآية 106.

أم سلمة

الصبر عند المصيبة هو صبر الأتقياء، فهو نور في الظلام، وثبات عند الصدمة، فمن لم يصبر على البلاء، لم يرض بالقضاء، قال تعالى: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور» آل عمران: 186، كذلك لما مات أبو سلمة، قالت أم سلمة وزوجها بهذه المكانة الكبيرة في نفسها:«إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها»، وقالت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ بعدما رأت من حسن معشره وطيب خصاله، ولأنها مؤمنة قالت ما تعلمته، قالت: فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خطبها وتزوجها.

ويقول الشيخ محمد حسان في «موسوعة الآداب الإسلامية»: بلال بن رباح رضي الله عنه يعذب من أجل إيمانه فيصبر، فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة على صدره ثم يقول: لا يزال على ذلك حتى يموت أو يكفر بمحمد، فيقول وهو في ذلك: أحد أحد. وأعطى أبو بكر لأمية بن خلف غلاماً أسود على دينه، وأخذ بلالاً فأعتقه، فهاجر وشهد الغزوات كلها مع رسول الله، وأصبح مؤذن النبي.

وهذه أم سليم تصبر عن موت فلذة كبدها، يروي لنا أنس رضي الله عنه قصتها فيقول: «إن أبا طلحة كان له ابن يكنى أبا عمير قال: فكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: أبا عمير ما فعل النغير؟ قال: فمرض وأبو طلحة غائب في بعض حيطانه فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوباً وقالت: لا يكون أحد يخبر أبا طلحة حتى أكون أنا الذي أخبره، فجاء أبو طلحة كالاً، وهو صائم، فتطيبت له وتصنعت له، وجاءت بعشائه، فقال: ما فعل أبو عمير؟ فقالت: تعشى وقد فرغ، قال: فتعشى وأصاب منها ما يصيب الرجل من أهله، ثم قالت: يا أبا طلحة أرأيت أهل بيت أعاروا أهل بيت عارية فطلبها أصحابها، أيردونها أو يحبسونها؟ فقال: بل يردونها عليهم، قالت: احتسب أبا عمير، قال: فغضب، وانطلق إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقول أم سليم، فقال صلى الله عليه وسلم: بارك الله لكما في غابر ليلتكما».

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسيا بنت مزاحم» فالسيدة آسيا صبرت على فرعون بطغيانه وظلمه وكفره، حتى باتت من سيدات الجنة،.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4m263njt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"