مؤسسات شاخت

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

قبل انعقاد اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، هذا الشهر، توقعت ألّا تسفر عن أي شيء مهم. لم يكن ذلك تنجيماً، أو نتيجة قدرة خارقة على معرفة المستقبل، إنما استنتاج منطقي في ضوء تجارب السنوات الأخيرة لتلك المؤسسات المالية الدولية، وغيرها من المؤسسات المماثلة في مجالات أخرى، من السياسة إلى الأمن والاقتصاد، وحتى الفن والثقافة.

 تلك الاجتماعات نصف السنوية تضم وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية من دول العالم، ليبحثوا وضع الاقتصاد العالمي، ويخرجوا بتوصيات لسياسات مستقبلية تضمن سلامته وتعافيه ومواجهة أزماته. ويتطلع كثيرون إلى ما يصدر عن المؤسستين من تقديرات وتوقعات مستقبلية ليتصرفوا على أساسها، في خططهم الفردية، وللشركات والأعمال أو للدول والتجمعات الكبرى منها.

 إلا أن الضبابية والاضطراب الذي يشهده العالم في الأعوام الأخيرة، وتحديداً منذ وباء كورونا الذي أدى إلى التوقف المفاجئ لكثير من نشاطات البشر حول العالم، جعل الثقة بتلك التوقعات والتقديرات تهتز بشدة، بل وتكاد تنهار. فتوقعات الصندوق والبنك، وأغلب البنوك المركزية للدول الرئيسية حول العالم، بأن التضخم الذي بدأ بالاقتصاد العالمي قبل ثلاث سنوات، مؤقت جداً، ولن يستمر، أثبتت فشلها.

 وبالتالي، فشلت أيضاً السياسات المالية للحكومات في إنعاش الاقتصاد من الركود الذي حدث وقت وباء كورونا. وإذا كان السياسيون والمسؤولون عن المالية والاقتصاد وجدوا في الحرب في أوكرانيا «شماعة» مناسبة يعلقون عليها فشلهم فإن ذلك التبرير لم يعد مقبولاً كثيراً. خاصة أن أغلب التبعات الاقتصادية والمالية العالمية للحرب الأوكرانية ناجمة عن سياسات حكومية. 

 هي إذاً سياسات هؤلاء المسؤولين انفسهم الذين يجتمعون وننتظر منهم أن يحلوا مشاكل الاقتصاد العالمي، بينما هم من وضعوا السياسات واتخذوا القرارات التي أدت إلى الوضع المتردي الحالي. أما تلك المؤسسات، بما فيها المؤسسة الأكبر – أي الأمم المتحدة – فلم تعد بالفعل قادرة على القيام بدور ذي معنى.

 على سبيل المثال، عدّل صندوق النقد الدولي توقعاته السنوية لنمو الاقتصاد العالمي بالخفض خمس مرات في غضون عام واحد، لأنه كلما أعلن توقعاً، جاء أداء الاقتصاد في خلال شهر أو شهرين، عكس ذلك التوقع.

 والآن، تقول وزيرة الخزانة الأمريكية إن تلك المؤسسات الدولية «تحتاج إلى إعادة هيكلة ومراقبة الحوكمة فيها». لكن ذلك ليس اعترافاً من القوة العظمى صاحبة أكبر اقتصاد في العالم بأن هذه المؤسسات «شاخت»، وأصبحت غير ملائمة لوظيفتها المنوطة بها، إنما القصد هو تعديل طريقة إدارتها في ضوء تراجع الدور الأمريكي في العالم، وبالشكل الذي يضمن لأمريكا وبعض حلفائها، استمرار استخدامها وسيلة لاستعادة دور عالمي يتدهور.

 هو إذن، قول حق يراد به باطل. فبالفعل، تكونت تلك المؤسسات في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتعززت في مناخ الحرب الباردة بين قوتين تتجاذبان العالم. ومنذ نهاية الحرب الباردة، قبل أكثر من أربعة عقود، أصبحت تلك المؤسسات الدولية في حالة «تضخم إداري»، وترهل دائم ومستمر.

  كان القصد نظاماً تسوده القيم الغربية الرأسمالية في السياسة والاقتصاد، ومختلف جوانب حياة البشر وتنظيم شؤونهم. لكن ذلك لم يحدث، بل وكان لتيار العولمة الذي قصد منه «تعميم» تلك السياسات والقيم أثر آخر، وهو صعود قوى جديدة حول العالم بقدرات متفاوتة يرفض أغلبها هيمنة مطلقة من قطب واحد على مقدرات العالم.

 وأصبحت المؤسسات والهيئات الدولية، التي لم تتطور للخروج من إطار الحرب الباردة بعد، أشد ضعفاً وأكثر ترهلاً.

العالم بحاجة لأشكال مبتكرة تماماً من نظم ومؤسسات وهياكل دولية جديدة. لكن ذلك سيظل مؤجلاً حتى يرسّخ العالم نظاماً جديداً، أحادياً أو متعدد الأقطاب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ce65jd7

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"