نظام عربي جديد يتبلور

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

ما يشهده العالم العربي من اجتماعات واتصالات ومصالحات يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة، ربما تكون واعدة وتستفيد من تحولات النظام الدولي الذي يتجه إلى تعدد الأقطاب وإعادة هندسة خرائط النفوذ بين القوى الكبرى. ويبدو أن العرب انتبهوا مبكراً إلى هذه التغيرات، فبدأوا بتهيئة مناخات الاستقرار وتصفية الأزمات، حتى يكونوا شركاء وجزءاً أصيلاً في العالم الجديد، وليس مجرد أتباع.

  قبل سنوات قليلة كانت الخريطة العربية تحترق، حرب أهلية في سوريا، وصراع على السلطة في ليبيا، وفتنة طائفية في العراق، ونزاع دام في اليمن، وأزمة مركّبة في لبنان، ومجابهة للإرهاب في الصومال، وتحديات عهد جديد في الجزائر، وتعثر سياسي في تونس، ووضع غير مطمئن في السودان.

وفي المجمل فإن نحو نصف عدد الدول العربية كانت في أوضاع غير طبيعية، وبعضها شارف على التفكك والاندثار تحت وطأة المؤامرات والمخططات الشرسة والأطماع الأجنبية. وفي تلك الفترة أيضاً، اتسعت محنة القضية الفلسطينية بسبب غياب الدعم وشلل العمل العربي المشترك، وغطرسة التطرف الإسرائيلي. وقد كان لكل هذه الأزمات تأثير في زيادة معدلات الإحباط عربياً، تمثلت مظاهرها في استقطاب عشرات الآلاف من الشبان إلى الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، بينما كانت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تتدهور، وتزداد سوءاً، من عام إلى آخر، بفعل عوامل مستجدة، مثل تداعيات الجائحة الصحية «كورونا»، وتأثيرات الحرب الدائرة في أوكرانيا، وزيادة منسوب التضخم والإفلاس في الاقتصاد العالمي.

  ويسجل في هذه المرحلة المفصلية أن العالم العربي بدأ يتغير، ويستعيد زمام مصيره، فقد بدأت الجهود الدؤوبة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي تؤتي نتائجها المبشرة، وجاءت عودة الاتصالات والزيارات بين دمشق والأغلبية العظمى من العواصم العربية، لتؤكد هذه المرحلة الجديدة. وكان وصول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق، ولقائه الرئيس بشار الأسد، استكمالاً لمسار المصالحة الذي تعزز في اليوم ذاته بزيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى تونس، واتفاقه مع السلطات هناك على استعادة العلاقات الطبيعية كاملة. 

وما يجري على الواجهة السورية ينسجم مع الخطوات المتفائلة بإنهاء الأزمة اليمنية من أجل دفع الأطراف ذات الصلة إلى المفاوضات، وإنهاء مأساة الصراع التي سببت جرحاً غائراً في الجسد العربي، وهناك تفاؤل صريح، وأمل صادق، بأن تلك الصفحة السوداء ستطوى إلى غير رجعة. وكانت المصالحة السعودية الإيرانية مؤشراً واعداً على مرحلة جديدة تتبلور ليس، عربيّاً فحسب، بل في المنطقة بأسرها.

   هذه التطورات والمستجدات الإيجابية كانت شبه مستحيلة قبل سنوات قليلة لاعتبارات عدة، منها كثرة المتدخلين، وجشع المستثمرين في الأزمات والفتن وشق الصفوف. ويبدو أن العالم العربي يتجه إلى إعادة بناء نفسه، وتشكيل نظامه الإقليمي، انسجاماً مع الإرهاصات التي تؤكد أن النظام الدولي ذاهب إلى إعادة التشكل على أسس وشروط جديدة. ومن مصلحة العرب أن يكونوا في دائرة الفعل، ولن يتم ذلك إلا بتغيير السياسات والمقاربات، والإيمان بأن التاريخ لا يرحم من يتأخر عن اللحاق بركاب التطورات، وإعادة بناء العالم وإعماره برؤى ومقاربات جديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4zp352df

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"