وما زال التسول مستمراً

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

«التسوّل» فن سؤال الناس طلباً لمال أو حاجة من حوائج الدنيا، يمارسه أصحاب الحاجة الملحة الحقيقية، أو أصحاب الحيل الملتوية بكافة أشكالها وصورها، وفي أزمنة وأمكنة متفرقة في الحياة.
فأمّا الحقيقيون الذين يحق لهم سؤال الناس حاجاتهم لما هم فيه من حال يرثى لها، فهم الذين أخبرنا عنهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، برواية صحيح مسلم عن قبيصة بن مخارق الهلالي: (إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة فقال ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش).. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكله صاحبه سحتاً).. وهم المحتالون ممن لا يحق لهم سؤال الناس؛ لأنهم يستجدونهم فيما لا يحق لهم بقصص وحكايات وهمية واهية لا أساس لها من الصحة القولية أو الواقعية، بما يجعلهم يستولون على أموال الناس بالباطل والخديعة.
التسول آفة مجتمعية قديمة قدم التاريخ، تمارسها فئات متمرسة فيها ومتمترسة بها، بطرق وآليات جديدة ومتجددة كلما سنحت الفرصة لصقل مواهب كامنة لأجل اكتساب المزيد من المهارات الاحتيالية التي من شأنها غسل جيوب الناس المجبولين على الطيبة والكرم الحاتمي، مما يدفعنا إلى العودة إلى شهر رمضان الذي ودّعناه مؤخراً وأودعناه في سجلاتنا الأخروية: ففئة تقف في طوابير انتظار وجبات إفطار الصائمين، سواء في الخيم الرمضانية المخصصة لذلك، أم من خلال المطاعم التي تنفذ الاتفاقيات المبرمة مع المحسنين.. سواء أكانوا من الطبقات الكادحة ممن يستحقون تلك الوجبات، أم كانوا ممن يطبقون الحكمة المجتمعية القائلة: (حَشْرٌ مع الناس عيد).
فئة أخرى تقف أمام الجمعيات التعاونية والأسواق التجارية الكبرى، قاطعة الطريق أمام المتسوقين ممن يتهيأون لإخراج زكاة الفطر الواجبة عليهم ومن في معيتهم، طالبين منهم تلك الزكوات بدلاً من البحث بأنفسهم عن مستحقيها، أو بدلاً من إيداعها في عهدة الجمعيات الخيرية الإماراتية المعتمدة.
وفئة أخرى تتوافد على البيوت المعتادة سنوياً إخراج زكاة المال، دون مراعاة ما إذا كانوا مستحقين لتلك الزكوات أم لا، ودون أن يتكبّد أصحاب المال عناء التحري عن مستحقي زكاة المال بالبحث والتقصي، من خلال معرفة معارفهم بالأسر المتعففة المستحقة للمال الكريم.
فيما فئة أخرى، على اختلاف أعمارها وأجناسها وجنسياتها، تجنّد نفسها وأفراد عائلاتها من أطفال وعمالة مساعدة، دافعة إيّاهم للوقوف أمام المصليات ومساجد العيد طلباً للعيدية التي هي في الأصل مخصصة من قبل المجتمع للأطفال، بغض النظر إن كانوا من الأسر الفقيرة أم الغنية، فالعيدية فرحة موسمية للطفولة.
 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ktpvnzv

عن الكاتب

أديب وكاتب وإعلامي إماراتي، مهتم بالنقد الأدبي. يحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، من جامعة بيروت العربية. وهو عضو في اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، وعضو في مسرح رأس الخيمة الوطني. له عدة إصدارات في الشعر والقصة والمقال والدراسات وأدب التراجم

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"