عادي
دعوات غربية وأمريكية لفتح «جبهة تبليسي» مع روسيا لتخفيف الضغط على كييف

جورجيا.. «سيناريو أوكراني» جديد

23:46 مساء
قراءة 6 دقائق
Video Url
الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن
مشهد من الحرب الروسية الجورجية عام 2008
تظاهرات جورجيا ضد روسيا
الرئيس الجورجي إدوارد شيفردنادزة الذي قامت ضده ثورة عام 2003
الحكومة الجورجية تسحب قانون العملاء الأجانب
الدبابات كانت جزءاً رئيسياً في الحرب الروسية الجورجية

د. أيمن سمير

بعد أن تجددت التظاهرات في العاصمة تبليسي وغيرها من المدن الجورجية بين المؤيدين للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من جانب، والراغبين في الإبقاء على علاقة أقوى مع روسيا من جانب آخر، بعد هذه التظاهرات جرى خلاف حول وصف ما يحدث في الجمهورية السوفيتية السابقة، هل تسير جورجيا على خُطى «السيناريو الأوكراني» أم أن أوكرانيا هي التي سارت على «النموذج الجورجي؟» فما يسمى «الثورات الملونة» بدأت من جورجيا وليس من أوكرانيا عندما اندلعت «الثورة الوردية» عام 2003 في جورجيا ضد حكومة إدوارد شيفردنادزة الذي كان آخر وزير خارجية للاتحاد السوفيتي، وصار فيما بعد رئيساً لجورجيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 25 ديسمبر 1991.

لكن ما يسمى «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا جاء بعد عامين في 2005 بين الساعين للالتحاق بالقطار الأوروبي، وبين من يؤمنون بتاريخ العلاقات الروسية الجورجية، وما يعزز من فرضية أن جورجيا سبقت أوكرانيا في كل شيء أن روسيا دخلت في حرب مع جورجيا عام 2008 بسبب منطقتين يغلب عليهما الطابع الروسي هما جمهوريتا «أفخازيا» و»أوسيتيا الجنوبية» اللتان سبق لهما الانفصال عن جورجيا، وأعلنتا استقلاليهما بدعم من روسيا التي اعترفت بهما على غرار ما جرى مع جمهوريات ومناطق لوجانسك، ودونيستيك، وخيرسون، وزاباروجيا، وهي المناطق التي ضمتها روسيا في سبتمبر الماضي.

الآن تتعالى الدعوات لا لإنهاء أي علاقة بين روسيا وجورجيا فقط بل تتهم موسكو كلاً من الولايات المتحدة وحلف الناتو بتشجيع جورجيا على فتح «جبهة ثانية» مع موسكو ليس لتخفيف الضغط على القوات الأوكرانية فقط بل لاستعادة «أراضي جورجيا في» أفخازيا « و»أوسيتيا الجنوبية»، فهل تفتح جورجيا هذه «الجبهة الجديدة» من الحرب مع روسيا؟ وماذا يفعل «الفيلق الجورجي» في أوكرانيا؟ وهل وعد حلف دول شمال الأطلسي «الناتو» لكل من جورجيا وأوكرانيا بالانضمام إلى الحلف ما زال قائماً؟

خيانة «وثيقة برلين»

رغم تأكيد موسكو الدائم أنه لا يمكن إحياء الاتحاد السوفيتي من جديد إلا أن الكرملين يعتقد أن دول الاتحاد السوفيتي السابق إضافة إلى محيط روسيا الجيوسياسي يجب أن يكون حصرياً للنفوذ الروسي خاصة في المناطق المتاخمة للحدود الروسية في جنوب القوقاز، وآسيا الوسطى، والبحر الأسود، وبحر البلطيق، ومنطقة البلقان.

وتعتقد موسكو أن الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لم يلتزموا بروح ونص «وثيقة برلين» التي يطلق عليها «وثيقة 4+2»، التي يلتزم فيها حلف الناتو بعدم التوسع شرقاً في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وهي الوثيقة التي وافق بموجبها الاتحاد السوفيتي السابق على توحيد الألمانيتين، وضمت هذا الوثيقة ألمانيا الشرقية والغربية، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، وبريطانيا، وفرنسا ووقع عليها وزراء خارجية هذه الدول في 6 مارس 1991 في بون الألمانية، ورغم إنكار ألمانيا والدول الغربية هذه التعهدات وتلك الوثيقة التي كشف عنها جوشوا شيفرنسون من جامعة بوسطن فإن روسيا ترى في الدعم الغربي لجورجيا وأوكرانيا خير دليل على خيانة نص وروح هذه الاتفاقية.

تقوم التقديرات الروسية على أن الغرب أراد أن يختبر عزيمة روسيا في جورجيا عام 2008 أثناء الحرب الجورجية الروسية، في المقابل يسود اعتقاد في الغرب أن روسيا أرادت أيضاً أن توصل «رسالة حازمة» إلى الغرب عبر مسار الأحداث في جورجيا؛ لهذا عندما اندلعت التظاهرات عام 2003 في جورجيا بين الموالين للغرب والموالين لروسيا عادت من جديد مشكلة جمهوريتي «أفخازيا» و «أسيتيا الجنوبية» اللتين سبق أن أعلنتا استقلاليهما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، ورفضتا البقاء ضمن حدود الدولة الجورجية الجديدة.

تاريخ من الأزمات

بدأت الأزمة الروسية الجورجية مع الأنباء التي تحدثت عن انهيار جدار برلين وسقوطه، وتفكك الاتحاد السوفيتي، وهو ما أدى إلى اندلاع الحرب بين جورجيا من جانب وأوسيتيا الجنوبية عامي 1991 و1992، كما دارت حرب أخرى بين جورجيا وأفخازيا عامي 1992 و1993 وانتهت الحرب بانفصال كل من أفخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا، وأرسلت روسيا قوات لحفظ السلام هناك خوفاً على أرواح الناطقين بالروسية في هاتين الجمهوريتين اللتين تنظر إليهما الأمم المتحدة على أنهما أراضٍ جورجية حتى الآن.

الحرب الخاطفة

وزادت الأجواء المعادية لروسيا في جورجيا منذ «الثورة الوردية 2003» وإسقاط حكومة شيفردنادزة، وتولي ميخائيل ساكاشفيلي من بعده، الذي كان معارضاً شرساً لموسكو وأراد في إبريل عام 2008 استعادة جمهوريتي «أوسيتيا الجنوبية» التي تبلغ مساحتها 3900 كلم ويسكنها نحو 100 ألف نسمة، و«أفخازيا» التي تطل على البحر الأسود، وتصل مساحتها إلى نحو 12% من إجمالي أراضي جورجيا، لكن الرد الروسي كان صارماً عندما عبر الجيش الروسي الحدود الجورجية الروسية، وأعاد سيطرة الانفصاليين على جمهوريتي» أوسيتيا الجنوبية» و»أفخازيا»، وخلال 5 أيام فقط كاد الجيش الروسي أن يسيطر على العاصمة الجورجية «تبليسي».

الجبهة الثانية و»المصير الواحد»

هناك مجموعة من المؤشرات والمشاهد التي تدفع نحو اندلاع صراع جورجي روسي جديد، ومن هذه المؤشرات:

1- رغبة الغرب في فتح «جبهة ثانية» مع روسيا بالتزامن مع سعى أوكرانيا إلى معركة الربيع، وترى موسكو مؤشرات كثيرة على هذا التوجه الغربي والجورجي خاصة مع اندلاع التظاهرات في المدن الجورجية ضد ما يسمى «قانون العملاء الأجانب» الذي وصفه المتظاهرون بالقانون الروسي، وهو القانون الذي يشترط إبلاغ منظمات المجتمع المدني للحكومة الجورجية بأي تمويل كبير يأتي لهذه المنظمات من الخارج، وقال المتظاهرون: إن هذا القانون مطبق في روسيا، وهدفه تحجيم العلاقة المتنامية بين جورجيا والاتحاد الأوروبي. ورغم سحب الحكومة الجورجية هذا القانون إلا أن التظاهرات تتكرر، والهدف الوحيد لها هو الهجوم والتنديد بروسيا وبسياسات الكرملين.

2- تعتقد موسكو أن حسابات واشنطن والغرب تقول بأن روسيا عليها أعباء عسكرية كبيرة في أوكرانيا، وأنها لن تستطيع أن تحارب في جبهتين في وقت واحد وهما جورجيا وأوكرانيا.

3- هناك دعوات كثيرة تقول: إن الوقت مناسب الآن لاستعادة جورجيا لكل من جمهوريتي أفخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وإذا كان هدف أوكرانيا استعادة 5 مناطق هي شبه جزيرة القرم، ولوجانسك، ودونيستك، وخيرسون، وزاباروجيا فإن جورجيا تستطيع أن تستعيد أيضاً أوسيتيا الجنوبية وأفخازيا اللتين صدر لهما قرار من مجلس الأمن الدولي عام 2008 يقول: إنهما أراضٍ جورجية.

4- هناك اعتقاد في جورجيا وأيضاً في الغرب بأن الحرب الجورجية الروسية عام 2008 لم تأخذ نصيبها من الاهتمام الغربي، وأن الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الابن لم يستطع فرض عقوبات على روسيا بسبب هذه الحرب، لكن الوقت الآن مثالي لجورجيا في ظل الحشد الغربي ضد روسيا، وأنه إذا قامت جورجيا بأي محاولة لاستعادة أفخازيا وأوسيتيا الجنوبية في الوقت الراهن فإن حظوظها ستكون أفضل ليس للأضرار التي لحقت بالجيش الروسي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية فقط، بل لأن العالم الغربي سوف يتعامل مع أي حرب بين جورجيا وروسيا «بدعم كامل وغير مشروط» لجورجيا بخلاف التجاهل الأمريكي والدولي الذي كان تجاه حرب 2008.

5- حشد وسائل الإعلام الغربية والجورجية الرأي العام الجورجي ضد موسكو؛ ولهذا فإن كل استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً في جورجيا تُحمّل موسكو مسؤولية الحرب في أوكرانيا، كما أن جزءاً رئيسياً من مطالب المتظاهرات ضد قانون العملاء الأجانب كان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

6- تطوُّع الكثير من الجورجيين في ما يسمى «الفيلق الجورجي» ضمن الفيلق الأجنبي الذي يحارب بجانب الجيش الأوكراني ضد روسيا، ويقال: إن هذا الفيلق صار جاهزاً لنقل خبراته وتكتيكاته العسكرية التي اكتسبها من أوكرانيا ليطبقها في أي حرب تندلع في أوسيتيا الجنوبية وأفخازيا ضد روسيا.

7- حديث حلف الناتو بأن وعده الذي قدّمه عام 2008 لضم جورجيا إلى الحلف ما زال قائماً، وسبق للحلف أن عرض عام 2008 على كل من جورجيا وأوكرانيا الانضمام إلى الحلف، وشكّلت زيارة الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلى كييف الأسبوع الماضي أحدث مؤشر على تمسّك الناتو بضم جورجيا وأوكرانيا إلى الحلف في الوقت المناسب.

8- يرى البعض أن الولايات المتحدة وحلف الناتو يعتقدان أن هذا الوقت أكثر من مثالي لاستعادة جورجيا أراضيها؛ لأن الناتو في أقوى حالاته منذ نهاية الحرب الباردة، وأن ما يطلق علية الحلف «الوحدة غير المسبوقة» تشكّل فرصة استثنائية للضغط على روسيا ليس في أوكرانيا فقط بل في جورجيا أيضاً.

9- هناك تقديرات غربية تقول بأن الفجوة سوف تتسع بين روسيا ودول جنوب القوقاز القريبة من جورجيا حال بدء حرب جديدة بين موسكو وتبليسي، وأن هذه فرصة نادرة للغرب لا ينبغي أن يفوتها لطرد روسيا من منطقة جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.

الخيارات الروسية

المؤكد أنه ليس من مصلحة روسيا الدخول في حرب جديدة في ظل عدم الحسم على مدار أكثر من عام في أوكرانيا، لكن لو اندلعت الحرب فإن لروسيا سلسلة من الخيارات؛ هي:

1- الاستفادة من القدرات العسكرية الهائلة لجمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأفخازيا اللتين لهما قوات مدربة منذ الحرب الأولى مع جورجيا عام 1992.

2- سمح الاستقلال الفعلي لأوسيتيا الجنوبية وأفخازيا ووجود القوات الروسية هناك ببناء قدرات عسكرية كبيرة لروسيا في تلك المناطق؛ ولهذا تمتلك روسيا قدرات عسكرية وخطوط إمداد كثيرة بالقرب من جورجيا.

3- رغم الدعم العسكري الغربي لجورجيا وإجراء مناورات مشتركة بين الجانبين إلا أن الدعم العسكري الغربي لجورجيا لا يقارن بالدعم والتدريب الذي حصلت عليه أوكرانيا، وهو ما يجعل من وجهة نظر روسيا أن موقفها العسكري تجاه جورجيا أفضل كثيراً من الحرب الطويلة في أوكرانيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3vrb5e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"