إعادة النظر

الغياب ظاهرة مرفوضة في مجتمع التعليم؛ إذ إنها تجسد جميع صور عدم الالتزام، وتؤثر سلباً على المحصلة المعرفية للطالب، وتُسهم في تراجع مهاراته وقدراته التعليمية؛ لذلك نؤيد ونساند كل الجهود التي تسعى لمواجهة تلك الظاهرة والقضاء عليها.
جسّد مشهد بداية الفصل الدراسي الثالث قبل إجازة عيد الفطر المبارك كل معاني وتفاصيل الظاهرة؛ إذ يروي لنا كيف اشتكت الفصول الدراسية في معظم المدارس غياب الطلبة، وكيف التزم المعلمون بجداول أعمالهم، ولكن مع الأسف لم يلتزم المتعلمون.
تعددت أسباب الغياب في الأيام الأولى للفصل الثالث، وتنوعت الأعذار ما بين أسر مسافرة لقضاء إجازتها في البلد الأم، وأخرى انشغلت باستعدادات العيد، وثالثة فضلت وصل الإجازتين، وجميعها أعذار تضع أولياء الأمور في قفص الاتهام؛ إذ اهتموا بكل الأولويات، ونسوا إلزام أبنائهم بالدوام.
قد يكون موعد العودة محرجاً وحساساً؛ إذ جاء مسبوقاً بإجازة ومتبوعاً بأخرى، ويفصلهما أيام معدودة، وهنا كان ينبغي لصناع القرار في قطاع التعليم، مراعاة ظروف العودة المحاصرة بالإجازات، قبل التركيز على عدد أيام التمدرس.
منذ سنوات وتتكرر إشكالية الأيام المتبقية للتمدرس عقب امتحانات نهاية العام؛ إذ تنتهي الاختبارات الختامية ويتبقى حوالي 7-10 أيام للدراسة، ومع الأسف يعجز مجتمع التعليم بكامل مؤسساته وكوادره عن إلزام الطلبة بالدوام بعد إنجاز الامتحانات، فلماذا لا نوظف الأيام المتبقية ضمن فترة الدراسة الفعلية التي تسبق الاختبارات النهائية، لتفيد المتعلمين وتخدم المعلمين.
وكان لإدارات المدارس نصيب في حديثنا عن غياب الطلبة؛ إذ إن البعض يتعاطى مع الظاهرة بعدم مسؤولية، فهناك مدارس طرحت لائحة السلوك جانباً، وابتكرت لنفسها لائحة خاصة لعقاب المتغيبين، فذهبت تمنع الطلبة من الدراسة، وتحجب عنهم الكتب الدراسية، في اعتداء صريح على اللائحة التي تعدّ قانوناً يُحاسب المتعلمين عند القصور أو المخالفة، فكيف نطالب الطلبة بالالتزام باللوائح والمدارس غير ملتزمة؟ وأين خططها العلاجية لتفادي تلك الظاهرة؟.
أعتقد أن الغياب الجماعي للطلبة، ظاهرة لها مقومات؛ إذ تعدّ الفجوات الموجودة في سيناريو تخطيط دوام الطلبة والدراسة، أحد أهم الأسباب التي تُسهم في استمرارية الظاهرة، وهنا نحتاج إلى إعادة النظر في تخطيط كل عام دراسي لنفعّل الأيام التي تأتي بعد الامتحانات الختامية، ولا ينتفع بها الطالب، لاسيما أن الفصل الثالث أقصر فصول الدراسة وليس لدينا ما يضمن التزام المتعلمين عقب الامتحانات، مع ضرورة تشديد المحاسبة على المدارس غير الملتزمة بلائحة السلوك، ومتابعة خططها العلاجية.
 [email protected]