عادي

التواب جلّ جلاله

22:20 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
من بدهيات الأمور، أن الشخص حينما يريد أن يسافر إلى مكان ما بسيارته، فإنه إن سلك طريقاً خطأ لا يوصله إلى وجهته المقصودة، فالأولى له أن يعود أدراجه من حيث قدم، وأن يغير وجهته؛ إذ إن استمرار سعيه في ذاك الطريق الخطأ، قد يسبب له ما لا تحمد عقباه، وقد يكون سبباً في إنهاء حياته لا سيما إن استمر وتاه.

وهذا إن كان في بدهيات أمور الدنيا، فإنه من باب أولى في أمور الدين؛ إذ إن كل واحد فينا، بحكم طبيعتنا البشرية، معرّض للخطأ، والعمل على خلاف أوامر الله، لكن العاقل يدرك أن الاستمرار في الخطأ سيغير طريقه ولن يوصله إلى وجهته التي خُلق لأجلها، وهي مرضاة الله وجنة عرضها السماوات والأرض.

والعودة إلى الطريق الصواب تُسمى التوبة، فالتائب هو من ترك الذنب وأقلع عنه نادماً متأسفاً على ما بدر منه، طارقاً باب ربه مناجياً إياه: «يا قابل التوب اقبلني وأقل عثرتي وأعدني إلى سعة رحمتك، فقد اعترفت بذنوبي وأقررت بهفواتي».

والعبد حينما يرفع يديه صادقاً تائباً معترفاً، فسيجد رباً رحيماً تواباً، فهو سبحانه وصف نفسه بالتواب «وأن الله هو التواب الرحيم». والتواب فيه من معاني الرحمة ما لا يدركها إلا العبد المؤمن، فالتواب في اللغة صيغة مبالغة من تاب يتوب فهو تواب، وصيغ المبالغة إذا اتصلت بأسماء الله الحسنى أفادت الكم والنوع وهنا تتجلى الرحمة الإلهية؛ إذ إن الله تواب، مهما بلغ كم ذنوبنا حتى لو وصلت عنان السماء، فإن أقلعنا عن الذنب وأعدنا الحقوق لأصحابها، فإننا سنجد التواب يقول لنا: «وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون»، كما يفيد المعنى اللغوي أن الله تواب مهما بلغت نوعية ذنوبنا، حتى لو كان ذلك الذنب الإشراك بالله، فالتواب يتوب على عبده من ذنبه، ذاك إذا طرق باب مولاه قبل أن يغرغر وتصل روحه إلى الحلقوم، وفي هذا بث أمل في نفس العبد، ألا يأس مع رحمة الله وتوبته ولا حزن مع عفو الله وكرمه.

والتواب هو الذي شرع باب الرجوع لعباده من باب فضله وكرمه على عبده، ولو فكرنا في الأمر عقلاً، لوجدنا أن الإنسان حينما يخالف أمر خالقه ويعمل على غير ما خُلق لأجله ثم يقلع عمّا هو عليه، فإنه لا يستحق المسامحة؛ لأنه إنما سلك ذاك الطريق بمحض إرادته ولم يؤخذ إليه رغماً عنه، فالعبد حاد عن أمر سيده على الرغم من آيات الوعد والوعيد، لكن الله المتفضل على خلقه الرحيم بهم، فتح للعبد باب التوبة ليل نهار ليعود إليه وهو، جل في علاه، لا يرد عبداً إذا لجأ إليه ولا يغلق باباً دون عبد وضع اعترافه وإقراره بين يديه.

وقد يسرف الإنسان ويخوض في الموبقات، لكن الله التواب الرحيم، يرسل إليه إشارات ورسائل وهو يراه في طريق الخطأ، ليعود إلى جادة الإيمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8pdyf4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"