عادي

العفوّ جلَّ جلاله

23:09 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

ما زال العبد يتقلب بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى، وما زال في الوقت ذاته يعصي خالقه فيما أمر، ويجانب طريق الهداية الذي دعاه إليه. وسبحان الخالق العظيم الذي لا يأخذ بالذنب، ولا يعاقب عليه، في حال تاب العبد وأناب إليه، وسبحانه حينما يرى عبده يخطط للمعصية، ويدبر أسبابها، فيمهله أياماً وسنوات، علّه يعود إلى رشده، ويطرق باب ربه، معترفاً بخطيئته، مقراً بعيوبه. ولو أنه سبحانه أخذ العباد بذنوبهم، لما بقي على ظهرها من دابة، لكنه يرى العبد يتمادى في غيه، فيتركه ويرسل إليه في طريقه ما يرشده إلى جادة الصواب، وتركه لعبده مع قدرته عليه هو عفو ومغفرة.

الله، سبحانه وتعالى، من أسمائه الحسنى العفوّ، فما معنى هذا الاسم؟ لو وقفنا بداية عند المعنى اللغوي لوجدنا أن العفو يتضمن معاني عدة، أبرزها الترك، والكثرة، والإزالة، عفا عنه: تركه مع قدرته عليه، وعفا: كثر وازداد، وعفا: أزال، فيكون معنى العفو بحق الله أن العبد مهما كثرت ذنوبه، وعظمت معاصيه، فإن الله يتركه مع قدرته عليه دون حساب أو عقاب متى تاب العبد إلى ربه، واعترف بذنبه، وأعاد الحقوق إلى أصحابها. كما أنه، سبحانه، يضع عن عبده بعفوه عنه آثار ذنوبه فلا يأخذه بها، ولا يستوفيها منه. وعندما يتأمل العبد هذا المعنى، ويرى أنه يرفل في نعم الله ليل نهار، ويتقلب بكرم الله ثم يقابل كل ذلك بجحود ونكران، واستخدامه للنعمة في غير الموضع الذي أمر به، ويرى في الوقت ذاته الناس من حوله تتخطف يميناً وشمالاً، والله ما زال يمده بالنعم، مع أنه مقيم على معصيته، فإنه يذوب حياء من كرم خالقه الذي يعفو عنه ويصفح.

العفو، سبحانه، يبين للعبد في أكثر من موضع من كتابه الكريم أنه عظيم وقوي وقادر وله، سبحانه، البطش الشديد، وعفوه عن عبده هو تكرم منه؛ إذ لو أراد لأذهب الخلق جميعاً، وأتى بخلق جديد، لكنه يتفضل على عباده بعفوه وكرمه، ويريد من عباده أن يمتثلوا خُلق العفو، في مسامحة الآخرين والصفح عنهم. وأشد حالات العفو رفعة، وأعظمها درجة، حينما يكون الفرد قادراً على رد الإساءة أضعافاً مضاعفة، إلا أنه يعفو ويصفح، طمعاً في ثواب الله الذي يقابل الإحسان بمثله، وبما أن العبد عفا مع قدرته، فالله أكرم الأكرمين لا يجازي المحسن إلا بالإحسان إليه، فلا شك في أنه سيقابل ذلك بعفو وصفح لمن عفا عن غيره.

كلنا ندرك أن أيامنا في الدنيا معدودة، وأن من أمسى ربما لا تطلع عليه شمس اليوم الآخر؛ لذا الدنيا أصغر من أن نملأها بالحقد والكراهية والغل، والعفو هو السبيل للنجاة في الدارين، والله، سبحانه وتعالى، يقول: «وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»، فمن أحب أن يغفر الله له ويسامحه فليسامح غيره ويصفح عنه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryc7j3n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"