عادي

الموسيقى كائن حي!

22:53 مساء
قراءة دقيقتين
1
يوحنا سيكونيا

إيمان الهاشمي

استلقى بإهمال ملحوظ على ظهره، أسقط رأسه الثقيل بعيداً عن كتفيه، وبقيت عيناه اليابستان مثبتتين فوق ورقة معلقة على حائط قديم مكتوب عليها (لقد انتظرتُ طويلاً!). وهنا، أدرك من خلال الألحان التي تسربت من أذنيه إلى صدره بدفء، أن الموسيقى كائن حي فعلياً، وإن كان لا يملك لساناً، أو حتى لا يشبه في هيئته الخارجية حيواناً ولا إنساناً، ومع ذلك تجده يعانق أرواحنا ويضمها إليه ليقول لنا الكثير، بل أكثر من كثير... بكثير! عموماً، لا عليكم مما كتب أعلاه، فالكائنات الحية ليست بالضرورة أن تكون حية بالفعل لكي نتأكد من أنها تعيش بمعنى الكلمة، ولذلك دعونا نقرأ كل شيء، ولكن لا داعي لأن نصدق كل شيء، فالعالم ماهرٌ جداً بالكذب على أي شيء، بأي شيء ولأي شيء وعن أي شيء!

حسناً، تباً للمنطق، فالقلب العاشق ينبض خارج الجسد أساساً! أليس كذلك؟

وُلد (يوحنا سيكونيا) الملحن الغامض البلجيكي، قبل العصرين الباروكي والكلاسيكي، ليقضي 42 عاماً بين نهاية العصور الوسطى وبين بداية عهد النهضة، كما لو كان زمنه تكويناً أو ميلاداً للنفوس المُجْهضة، لكن في خضم كل ذلك يعتبر من أوفر الملحنين حظاً، وكذلك أقلهم كلاماً ولفظاً، وأندرهم نُصحاً ووعظاً، وأكثرهم تذكرةً وحفظاً، وأشدهم امتناعاً وتحفظاً. ولعل هذا السبب وراء نجاة أعماله الموسيقية أكثر من أي ملحن آخر في عصره، مع أن البعض رجّح سبب هذه النجاة إلى قوة ماله ونفوذه لاستحقاق نصره، فقد كان أبوه كاهناً ذا صيت طيب وسمعة غالية، وكانت أمه ذات مكانة اجتماعية عالية. والغريب أن أحداث السنوات الأولى من حياته اختبأت تحت ستارٍ خفيٍّ وبارد، فقد تعامل العديد من الباحثين مع سيرة أبيه الذاتية وسيرته هو كشخص واحد، وهكذا اختلط الحابل بالنابل، ولم تثمر الحقيقة السنابل، فأصبحت قصته كثيرة التكهنات، مختلفة النكهات، محفوفة بالتخمين، بعيداً عن الحق المبين، لتزداد سخرية القدر في أن العديد من أبناء جيله حملوا نفس اسمه بالضبط، فباتت حقائق مسيرته الفنية مستحيلة التدوين وغير قابلة للضبط! الأمر الذي حيَّر المؤرخين وأرَّقهم من شدة هذا الضغط، فازداد استياؤهم حد الغيظ والغضب ولا بأس إن قلنا السخط. والغريب أنه في ذلك الوقت الضائع والعمر المجازف، أطلق (يوحنا) على أحد مؤلفاته اسم (أنا آسف)!

الاسم: يوحنا سيكونيا

الجنسية: بلجيكي

النشاط:ملحن

من أعماله:أنا آسف

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckyhzt4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"