عادي
يربك السائقين ويتسبب بحوادث قاتلة

التنمّر بالسيارات..يثير الذعر على الطرق السريعة

01:33 صباحا
قراءة 5 دقائق
الاقتراب الشديد من السيارة الأمامية تنمُّر على الطريق

تحقيق: محمد الماحي

السائقون المتنمّرون يعتبرون المسارات السريعة حكراً عليهم فقط، لأنهم يقودون سيارات دفع رباعي وعلى غيرهم مغادرة المسار فوراً بمجرد حضورهم، وإن لم يفعلوا ذلك، يمطرونهم بوابل من الإضاءة العاكسة وآلة التنبيه، لإثارة ذعرهم وإجبارهم على الإفساح بسرعة، ما يؤدي إلى ارتباكهم، وربما التسبب في تبعات أكثر خطورة، مثل وقوع الحوادث القاتلة. ورغم ان القاعدة القانونية تقول إن الطريق ليس ملكاً لأحد، وهناك قانون واضح يجب الالتزام به، بالإضافة لقيم وأخلاق يفترض أن يتحلّى بها الجميع، أهمها التسامح وحسن التعامل على الطريق، إلا أن بعض السائقين يعتبرون نظراءهم الآخرين خصوماً إذا لم يفسحوا لهم الطريق ويتصرفون بشكل عدواني.

رصدت أجهزة المرور خلال السنوات الماضية، تجاوزات من سائقين متهورين، إذ يقومون بمضايقة المركبات التي تسير أمامهم، والاقتراب منها إلى مسافة قريبة جداً، وإجبارهم على إخلاء الطريق لهم، من خلال استخدام الإضاءة العاكسة، وآلة التنبيه باستمرار، ما يؤدي إلى تشتيت تركيز سائق المركبة الأمامية، ويضاعف من خطورة وقوع الحوادث المرورية الخطرة.

سجلت الإدارة العامة للمرور في شرطة دبي، 14 ألفاً و84 مخالفة عدم ترك مسافة كافية بين المركبات خلال النصف الأول من الماضي، وسجلت مديرية المرور والدوريات بشرطة أبوظبي 45 ألفاً و269 مخالفةً لسائقين خلال 2021 بسبب عدم ترك مسافة أمان كافية خلف المركبات الأمامية، محذرة من أن وقائع التسبب في الحوادث بسبب عدم ترك مسافة أمان كافية، يطبق عليها القانون رقم 5 لسنة 2020 بشأن حجز المركبات في إمارة أبوظبي، وأن القيمة المالية لفك حجز المركبة 5000 درهم، على أن يتم حجز المركبة إلى حين دفع القيمة المالية لفك الحجز ولمدة أقصاها ثلاثة أشهر، وفي حال عدم سداد المستحقات تُحال المركبة للبيع في المزاد العلني، وكذا تطبيق البند «52» في قواعد وإجراءات الضبط المروري رقم 178 لسنة 2017 على السائقين المخالفين بعدم ترك مسافة أمان كافية خلف المركبات الأمامية بغرامة 400 درهم، وأربع نقاط مرورية على قائد المركبة.

طيش واستهتار

«الخليج» التقت بمختصين للوقوف على أسباب التنمّر بالسيارات، ومدى تشدّد القوانين في مواجهة طيش واستهتار السائقين المتنمرين، والخروج بتوصيات لتعزيز السلامة المرورية لمستخدمي الطريق كافة.

وأكد المختصون أن سلوك تنمّر وعدوانيّة بعض سائقي سيارات الدفع الرباعي على نظرائهم، الذين يقودون سيارات صغيرة، ويتعمدون مضايقتهم إذا لم يفسحوا لهم الطريق الطرق السريعة يتسبب في إرباك الآخرين، ويعرقل حركة السير والمرور، فضلاً عن أنه يكون أحد أسباب حوادث الصدم بين المركبات ويؤدي إلى وفيات وإصابات.

وأشاروا إلى أن تكثيف التوعية وتشديد العقوبات وتكامل الأدوار المختلفة تلعب دوراً كبيراً في الحد من التنمّر على الطريق، الذي يتسبب في الحوادث المميتة وإزهاق الأرواح على الطرق.

ويقول الدكتور هشام عباس زكريا، عميد كلية علوم الاتصال بالجامعة القاسمية، إن القيادة العدوانية ناتجة عن اضطرابات نفسية وأسرية واجتماعية، مؤكداً أن الكثير من الحوادث المرورية خصوصاً القاتلة يرتكبها متنمّرون في الطريق العام تتسم شخصياتهم بالاندفاعية وحب المغامرة والتميز والعدوانية والتهور في الكثير من الأوقات، فضلاً عن أسباب أخرى مثل الاكتئاب والتهميش، والرفاهية والقدرة على امتلاك سيارة في وقت مبكر، مشيراً إلى أن القيادة ببطء، خصوصاً على المسارات السريعة، تعكس في المقابل ضعفاً في الثقافة المرورية لدى بعض السائقين، وربما تثير بعض الإشكاليات على الطريق.

ولفت زكريا إلى أنه لا شك أن قوانين السير والعقوبات الرادعة ليست هي الحل الوحيد لمعالجة المشكلة، لأن موضوع الالتزام بالقوانين المرورية قضية سلوكية متعلمة وعملية اجتماعية يجب غرسها منذ الصغر والتركيز عليها في المناهج الدراسية في جميع المراحل منذ المرحلة الابتدائية.

دور فعال

أكد الخبير التربوي مانع النعيمي، أن غرس الثقافة المرورية في نفوس النشء مسؤولية تتحملها الأسرة والمدرسة،لافتاً إلى ضرورة وجود دور فعال للأسرة في توعية أبنائها، بمخاطر الحوادث المرورية، بما يسهم في خلق بيئة محفزة، تتكامل مع جهود الأجهزة المعنية في الحد من وقوع الحوادث البليغة.

وشدد على أهمية دور الأسرة في نصح وتوجيه الأبناء وحثهم على الالتزام بقوانين السير والإرشادات المرورية، وذلك حفاظاً على سلامتهم، داعياً أولياء الأمور إلى متابعة الأبناء والتأكد من قيادتهم بمسؤولية دون تهور.

واقترح سحب الرخصة من قائدي المركبات المتهورين وتشديد العقوبات، وذلك لردع الآخرين من ممارسة القيادة بطيش وتهور وبهدف حماية أرواح الناس، داعياً إلى تكثيف برامج التوعية المرورية على مدار العام لترسيخ الوعي المروري بين جميع أفراد المجتمع وجعل السلامة المرورية مسؤولية جماعية.

وأضاف: الدولة وفّرت طرقاً هي الأفضل من نوعها في العالم، تتضمن مسارات عدة، ومزودة بأحدث تقنيات الضبط المروري، وعلى الجميع الاستمتاع بالقيادة عليها في أمان وانضباط، بدلاً من التصرف بعدوانية، وتعريض الحياة للخطر.

حياة الناس

ويرى عبيد الصقال، المحامي والمستشار القانوني، أنه عندما يكون التنمّر في الطريق خطيراً؛ فلابد من أن تكون إجراءات مكافحته شديدة بقدر خطورة الفعل، لأنه يصل إلى تهديد حياة الناس، بل وإزهاقها في كثير من الأحيان، فيجب أن يخرج من مخالفة مرورية إلى جريمة جنائية.

وأضاف:«أظهر الفيديو الذي نشرته القيادة العامة لشرطة أبوظبي بهدف التوعية بأهمية ترك مسافة آمنة، وخطورة عدم تركها، سلوكيات غريبة من سائقين حولوا فيها سياراتهم إلى أدوات رعب وقتل بسبب إصرارهم على الالتصاق بعُنف وعدائية بالمركبات التي أمامهم وهم على سرعات عالية، وغالباً ما تنتج عن ذلك حوادث قاتلة، فما ذنب السائق الذي يقود المركبة الأمامية، وما ذنب كل من يجلس في السيارة من أطفال ونساء وغيرهم»!

وتابع: أن الشرطة في إمارات الدولة بذلت جهدها في حملات التوعية، وشددت في المخالفات، وحجزت المركبات، وجربت كل أنواع العقوبات والغرامات، لكن الظاهرة ما زالت موجودة، ومازال هناك «إصرار» على القيادة بعدوانية من البعض، ومثل هذا السلوك العدواني لن تردعه مخالفة أو نقاط سود أو حجز مركبة، بل تصنيفها إلى جريمة، والجريمة لابد لها من عقوبة جنائية تتناسب مع حجم المصيبة الواقعة نتيجة هذا التهور وهذه السرعة وهذه اللامبالاة.

سرعة الانفعال

يرى نواف سلطان النعيمي، اختصاصي الطب النفسي، أن السلوك العدواني المتعمد هو شكل من أشكال العدوانية التي يرغب من يمارسها في الحصول على مزايا، وللتأكيد على مصالحه الخاصة، حتى وإن كان ذلك على حساب الآخرين، ويهدف بهذا السلوك إلى إيذاء الآخرين.

وأضاف:«يشعر السائق بأنه مظلوم أو لا يحصل على حقه كاملاً، أو يعتقد أنه يجب عليه أن يكون سريعاً بشكل خاص في وقت يجد فيه الآخرين في طريقه، وهذه كلها علامات على السلوك العدواني المتعمد».

وأشار إلى أن السائق المتنمّر يتسم بسرعة الانفعال والميل إلى المغامرة والتأثّر بالظروف المحيطة؛ سواء على الطّريق أو داخل المركبة، ويكون ضعيف الثّقافة المروريّة ويحبّ التّباهي ويتعمّد مخالفة القواعد والأنظمة. وتابع: يُعتبرُ مفهوم القيادة العدوانيّة أحدَ المفاهيم الحديثة التي حاول المتخصِّصون في السّلامة المروريّة تعريفه بدقّة، ومحاولة قياس هذا النّمط في أسلوب قيادة المركبة بعدّة طرق، فقد ركّزت بعض الدّراسات التي تناولت القيادة العدوانيّة على سلوكيات محدّدة في القيادة، مثل السّرعة الزّائدة أو الاقتراب الشديد من المركبة الأماميّة أو غيرها من الأساليب المخلّة بقواعد وأسس السّلامة المروريّة، وكلّها سلوكيّات ترتبط عادة بالقيادة العدوانيّة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rv2bahh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"