عادي

العفّة

23:59 مساء
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( النظرة سهم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه..)

وقال الشاعر:

كْم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها

فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وترِ

يَسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجَتَهُ

لا مرحباً بسرورٍ عادَ بالضررِ

ويفهم من حديثه صلى الله عليه وسلم، أن إطلاق البصر في المحرمات يفرق القلب ويشتته، ويبعده من الله، ويضعفه ويحزنه. وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر؛ فإنّه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه، وفي المقابل: الغضّ يورث القلب أنساً بالله ويقوّي القلب ويفرحه، ويكسب القلب نوراً، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة، ولهذا ذكر الله آية النور عقيب الأمر بغض البصر، فقال: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)، ثم قال أثر ذلك: ( الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح)، أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان.

يقول ابن القيم الجوزية: إن غضّ البصر يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل، والصادق والكاذب، وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة، وغضّ بصره عن المحارم، وكفّ نفسه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة.

إنّ غضّ البصر يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقور، كما في الأثر: «الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله»، كما أنه يسدّ على الشيطان مدخله من القلب، فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور غليه ويزينها، ويجعلها صنماً يعكف عليه القلب، ثم يعده ويمنّيه ويوقد على القلب نار الشهوة، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة، فيصير القلب في اللهب، فمن ذلك تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات، فإن القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب.

وبين العين والقلب منفذ أو طريق يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر، يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر، وإذا فسد النظر فسد القلب، وكذلك في جانب الصلاح، فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد، فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه، والأنس به، والسرور بقربه.

ألا فلنتقّ الله ولا نتبع النظرة النظرة؛ فإنّ الأولى لك والثانية عليك ولنجعل صيامنا عن الطعام والشراب مصحوباً بالصيام عن الشهوات والنظرات المحرمة، فكما يصوم الفم لابد من صيام العين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yez5rd3t

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"