عادي
قرأت لك

الشعر النبطي.. ديوان الوقائع اليومية

15:56 مساء
قراءة 4 دقائق
ظاعن شاهين
الشعر النبطي.. ديوان الوقائع اليومية

الشارقة: علاء الدين محمود

الشعر النبطي هو بمثابة ديوان آخر للعرب في منطقة الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، يأخذ من القديم الجزالة والقوة في التعبير، وحفظ السير والبطولات، ويرصد تفاصيل الحياة وأساليب العيش. ولقد اهتم الخليجيون بهذا النمط الشعري، وفي الإمارات ركزت المؤسسات البحثية في مجال التراث على حفظ وتدوين قصائد الشعراء الروّاد، في بلد يشهد حراكاً كبيراً في مجال القصيدة الشعبية والفصيحة على حد سواء.

كتاب «نقوش على أبواب النبط»، للكاتب ظاعن شاهين، الصادر عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، يعد من تلك المؤلفات التي ظلّت تحتفي بالقصيدة النبطية، ولا تقف عند ذلك الحد، بل تغوص عميقاً في بنائها وتكوينها اللغوي، وجمالياتها وأغراضها المختلفة، وما يعنيه الشعر النبطي بالنسبة إلى سكان منطقة الخليج، فهو المعبر عن أحلامهم وطموحاتهم، وهو لسان أحداثهم ووقائعهم اليومية، فكان أن تفجرت طاقاتهم الإبداعية في هذا اللون الإبداعي الذي ينتمي إلى خصوصية المنطقة.

والكتاب يقع في 121 صفحة من القطع المتوسط، ويشتمل على مقدمة وثلاثة فصول، حيث يضم الفصل الأول عدداً من المواضيع المختلفة تحت عناوين: «ملامح عامة»، و«ولادة القصيدة»، و«الخلوة»، و«اختيار القصيدة»، و«فنية التكرار»، و«بناء النص»، بينما جاءت عناوين الفصل الثاني على النحو التالي: «الميراث اللغوي»، و«وصف المرأة»، و«لذة الحديث»، فيما حمل الفصل الثالث عناوين: «اللمحة الشعرية والبناء الجديد»، و«أغراض أخرى»، كما اشتمل الكتاب على خاتمة وهوامش وملاحظات وقائمة بأسماء المراجع والمصادر، ونماذج شعرية متنوعة، حيث يجد القارئ نفسه وهو يتعرف بصورة أكثر قرباً إلى هذا النوع من الشعر الذي هو أنيس قاطني الصحراء، بأشكاله وألوانه وأنواعه المختلفة، والأهم من ذلك أن الكتاب يوفر معلومات كثيرة في ما يتعلق بالبناء الفني واللغوي للقصيدة النبطية.

  • *مكانة تاريخية

الكتاب يفرد في البدء صفحات عن الأدب ومكانته في الإمارات، حيث إن هذه الدولة الممتدة من الرمل إلى الرمل، ومن البحر إلى البحر، والتي تشكّل في مجملها دولة عصرية متطورة ومتواصلة مع العالم ومتداخلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لم تخرج من عباءة الصحراء، لم تولد فجأة، حيث كان لأهل هذه المنطقة، منذ مئات السنين، صولات وجولات وحضور في مختلف المجالات، حيث أسهمت المنطقة في النهوض بالشعر، وكان لها أثر بارز في تطوره منذ العصر الجاهلي، إذ شهدت حركة أدبية رائدة منذ فجر التاريخ على يد الأزد وبني عبدالقيس، وكان من أهل هذه المنطقة واضع علم العروض وصاحب أول معجم لغوي، ألا وهو الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكذلك الشاعر ابن دريد، ومن فرسانها القائد المهلب بن أبي صفرة، ومن أسواقها الأدبية سوق دبا الشهير.

والمؤلف يشير إلى أن هذا البعد التاريخي، يرسم بوضوح الأهمية الأدبية التي لعبتها المنطقة منذ أزمنة غابرة ولا تزال، فهي لم تكن غائبة عن صورة الأدب ولم تكن مجهولة، فالتاريخ العربي يشهد من خلال الوقائع الكثيرة على الدور البارز الذي لعبه أهالي هذه المنطقة؛ أي الإمارات، في تشكيل الحياة الأدبية ورفدها، إلا أن المكتبة العربية رغم ذلك، افتقرت إلى الدراسات والكتب التي تتحدث عن خصوصية الأدب في هذه المنطقة، وقد وجد أهالي الإمارات أنفسهم، كغيرهم من الشعوب الأخرى، يكتبون شعر اللهجة المنطوقة، ألا وهو الشعر النبطي الذي هو في مجمله فرع من فروع الشعر العربي.

  • *ظهور

والكتاب يلفت إلى أن كثيراً من الباحثين يرون أن الشعر النبطي ظهر وبرز متطوراً وقوياً في أواخر القرن الخامس الهجري على أيدي شعراء بني هلال ومعاصريهم، وهم من القبائل المعروفة في عمان، ويعود نسبهم إلى قبائل عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن، ويوضح المؤلف أن هناك روايات عدة في أصل كلمة نبط التي التصقت بفنية هذا الشعر وأصبحت من خصوصياته، حيث يفرد مساحات في تفصيل أصل الكلمة ومن أين جاءت، وما تحمله من دلالات.

والمؤلف يغوص عميقاً في مسألة الربط بين القوالب الفنية اللغوية التي تصل الشعر النبطي، بالجاهلي والإسلامي، وعرض أوجه الشبه والتحولات التي طرأت على القصيدة النبطية، من حيث أخذ الشعراء لمفردات وأمور معينة من السابق وتركهم لها في الوقت الحالي، والأثر الحضاري الذي شكّلته البنية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية على القصيدة النبطية، من أجل إدراك مدى التطور الذي صاحب هذا الفن المتوارث الذي يفرد له المسؤولون عن أوجه الثقافة في الإمارات مساحة من الاهتمام والاعتناء والمتابعة.

يؤكد الكتاب أن أهل الإمارات، قد عرفوا الشعر النبطي منذ مئات السنين، وتعاطوه شفاهياً دون تدوين، ويكاد الرعيل الأول المتبقي من الآباء والأجداد لا يتذكرون اسماً محدداً لشاعر نبطي متميز تحفظ أشعاره سوى الماجدي بن ظاهر، والذي لا تعرف سنة ولادته على وجه التحديد، وكل ما يعرف عنه أنه عاش في بلدة الساعدي من ملحقات رأس الخيمة، وكان معاصراً للشيخ شخبوط الأول، أحد أجداد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث يعد ابن ظاهر هو أول رائد لهذا الفن الإبداعي، وقد ظهر بعده شعراء عديدون خلال القرن التاسع عشر مثل أبو سنيدة، الذي ولد في إمارة الشارقة، وهناك أيضاً سالم بن علي العويس، وسعيد الهاملي، وأحمد بن هضيبة، وعلي بن قمبر، وراشد بن عبدالله بن حريز، ومحمد بن جاسم المطروشي وغيرهم.

ويوضح الكتاب أن فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، قد أفرزت مجموعة أخرى من الشعراء استطاعت أن تواصل الشعر النبطي، وتطوره بصورة لافتة، وقد ساعد على ذلك الأمر دخول التكنولوجيا الحديثة، حيث قام تلفزيون دبي في السبعينيات بتكريس برنامج تلفزيوني حول الشعر النبطي قدّمه حمد خليفة بوشهاب، وقد استطاع هذا البرنامج تأسيس روّاد جدد لهذا الفن أمثال: راشد الخضر، وياقوت، وعلي بن رحمة الشامسي، ومحمد بن أحمد بن سوقات، وحمد بن سوقات، وسالم بن محمد الجمري، وراشد بن طناف وغيرهم، كما تطور هذا الفن عبر الغناء، وأفردت الصحف اليومية صفحاتها له.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckt439w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"