استنزاف موارد العالم إلى أين؟

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

من يستنزف الآخر في الحرب الروسية الأوكرانية؟ وإلامَ تستمرّ حرب الاستنزاف المتبادلة والتي تتسع رقعتها لتشمل كل أنحاء العالم؟ سؤالان يجب أن يدورا بخلد كل فاعل سياسي في هذا العالم المعولم، ذلك أن شأن هذه الحرب ليس شأناً خاصاً بالدولتين أو بالمعسكرين المتصادمين، بل إنه شأن كل مواطن عالمي يرى أن الضرر بات يلحق الجميع، وأن استمرار هذه الحرب العبثية لن يزيد العالم إلاّ ويلاتٍ.

في تعليقهم على ما يسمى هجوم الربيع أو الهجوم المضاد الذي تشنّه أوكرانيا على روسيا من أجل تحرير أراضيها، يقول خبراء عسكريون أمريكيون، إن المعادلة انقلبت إلى العكس، فبعد أن كان الغرب يظن أن إطالة أمد الحرب هي في صالحهم لأنها ستستنزف موسكو وقدراتها المالية والعسكرية، إلا أن واقع الأمر يبيّن أنّ روسيا هي التي أصبحت تستنزف الغرب، وهذا أمر يقرّ به حتى المحللون الغربيون بل الأمريكيون. يقدّم المحلل الجيوسياسي والجندي السابق في مشاة البحرية الأمريكية، بريان بيرلتيك، رؤية مخالفة للتحليلات الغربية. فبعد مرور أكثر من شهر على الهجوم الأوكراني المضاد، يرى بيرلتيك أن القوات الأوكرانية لم تحقق أي مكاسب؛ لأنها غارقة في حقول الألغام الروسية. وبالاستعانة بتعليقات وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، العام الماضي، حول هدف الولايات المتحدة «إضعاف» روسيا في الحرب بالوكالة في أوكرانيا، طرح المسؤولون العسكريون الأوكرانيون ووسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً استراتيجية «استنفاد» الاحتياطيات الروسية، باعتبارها واحدة من أهداف الهجوم المضاد. وفي ذات الصدد، قال بيرلتيك: «إنهم لم يصلوا حتى إلى الخطوط الدفاعية الأولى للتحصينات الروسية. هل هم يستنزفون روسيا أم أنهم يستنزفون أنفسهم؟!». ولكن الروس أنفسهم ومن خلال تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين، يقولون إنّ هذه الحرب تستهدف وجودهم، وعليه فإن كل الخيارات تبقى متاحة؛ حيث صرح ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، أكثر من مرة، أنّ خيار السلاح النووي مطروح وبجدية، مادامت أمريكا مصرّة على تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، والتي يعتبرها الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية، أسامة دنورة، أنها خطوة يائسة تحاول استجرار رد فعل روسي عنيف. ورد الفعل الروسي لن يتأخر فيما لو تمّ استخدام هذه الأسلحة. وهكذا يُقاد العالم إلى مرحلة مجهولة من حرب استنزاف طويلة الأمد.

إن هذه الحرب تؤثر سلباً في شعوب أوروبا كما سبّبت تضخماً كبيراً في الاقتصاد الأمريكي، والتنافسية الحادة بين القطبين تؤدي إلى مزيد من إهدار موارد العالم، واستنزاف قدرات الشعوب الفقيرة التي تكافح الفقر والمديونية واضطراب سلاسل الإمداد الغذائي. إننا في الواقع لا يمكننا أن ننسى تحذيرات منظمة الأغذية والزراعة «فاو» من مجاعات يمكن أن تنتشر في أكثر من منطقة من العالم نتيجة استمرار النزاع في أوكرانيا، والأخطر من ذلك هو توسع النزاع إلى مناطق أخرى، مما يهدد بعمليات هجرة جماعية ستتأذى منها البشرية جمعاء.

لقد حان الوقت لإنقاذ العالم من هذا الصراع العبثي، فهذا النزاع سيخلف جروحاً عميقة في العلاقات الإنسانية، وسيزيد الضغائن والأحقاد، وسيؤخر عمليات التنمية البشرية الشاملة. ربما ستتغير الإدارات السياسية في هذا البلد أو ذلك، ويمكن أن تنتهي الحرب بجرة قلم، كما صرح بذلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فيما لو تم إعادة انتخابه في الانتخابات المقررة للعام 2024، ولكن إذا كانت الحرب عبثية لهذه الدرجة فلماذا تدفع الشعوب ضريبتها؟ ولماذا تؤخذ شعوب بأكملها بجريرة أخطاء سياسيين لا يقدرون حجم المأساة الإنسانية الناتجة عن الحرب؟ إن المستقبل لن يكون مشرقاً، ولن تكون البشرية في مأمن من كل هذه الأخطار، فيما لو تمسّك السياسيون بانتهاج سياسة الآذان الصماء حول ما يحدث في جوارهم. كل موارد العالم يجري استنزافها بطريقة فظيعة، والأكثر خطورة هو هذا المستقبل المجهول الذي تُقاد له البشرية جمعاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4a7ns4yz

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"