عادي

انقلاب النيجر.. الإدانات في مواجهة «القوة»

00:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
تظاهرات في النيجر بعد الانقلاب

كتب: بنيمين زرزور

أحدث انقلاب في القارة السمراء وقد لا يكون آخرها بعد أن صارت الانقلابات، مؤخراً، «الوضع الطبيعي الجديد» في عدد من دولها، نتيجة للتغيرات التي بدأت مع انحسار الهيمنة الأمريكية، وتخلي فرنسا عن دورها التقليدي في إفريقيا. وكأن القيادات السياسية في تلك المجموعة من الدول التي يُضرب بها المثل عالمياً في الفقر على الرغم مما تملكه من ثروات باطنية، فقدت الإحساس بالوصاية، أو أن القوى الداخلية القادرة على الفعل وهي في الأغلب من العسكر، استشعرت فراغ القوة بعد تفكيك «تاكوبا»؛ وهي القوات الغربية المشتركة التي تشكلت عام 2020، ومن قبلها انسحاب قوة «برخان» الفرنسية.

تسارعت الانقلابات، مؤخراً، في الغرب الإفريقي؛ حيث شهدت المنطقة سلسلة سريعة من المحاولات الانقلابية، بدءاً من 2020 وحتى العام 2023، جرت خلالها 5 انقلابات، في كل من بوركينا فاسو ومالي وغينيا وتشاد، وأخيراً النيجر.

وبغض النظر عن العوامل الداخلية، لا يمكن فصل تلك الانقلابات عمّا يجري في عالم اليوم من تغيرات تنذر بولادة عالم جديد متعدد الأقطاب تشكل القارة الإفريقية مسرحه العملياتي؛ نظراً لعدد من المعطيات التي في مقدمتها توسيع ساحة الهيمنة لكبار المتنافسين على القارة، ناهيك عن ثروات القارة الباطنية وأسواقها الواعدة؛ حيث إنها قارة خام لجهة التطوير الصناعي والتقني.

تبادل التهديدات

لم يفاجأ العالم كثيراً بالانقلاب الذي وقع صباح 26 يوليو/ تموز الماضي في نيامي؛ حيث احتجز ضباط الحرس الرئاسي رئيسهم محمد بازوم لتبدأ معه سلسلة التكهنات والتهديدات. ووجهت تلك التهديدات «المجلس الوطني لحماية الوطن» وهو الاسم الذي أطلقه قادة الانقلاب على أنفسهم، بعد أن أعلن قائدهم عبد الرحمن تشياني عن تعليق العمل بالدستور، وحل المؤسسات السياسية حتى إشعار آخر. وبرر استيلاءه على السلطة بتدهور الوضع الأمني في البلاد.

ورد القادة العسكريون على التهديدات بالتحذير من أي تدخل مسلح في بلادهم، بعد أن منحهم قادة دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «الإيكواس» خمسة عشر يوماً للعودة إلى ثكناتهم.

ويمكن ل«إيكواس» المكونة من 15 عضواً، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا المؤلف من ثمانية أعضاء، تعليق عضوية النيجر في المنظمتين، واستبعاد البلاد من البنك المركزي الإقليمي والسوق المالية، وإغلاق الحدود.

وتعد النيجر شريكاً أمنياً رئيسياً لبعض الدول الغربية، كفرنسا والولايات المتحدة، اللتين تستخدمانها قاعدةً لجهودهما الرامية إلى احتواء أعمال عنف يشنها متشددون في منطقة الساحل بغرب ووسط إفريقيا. وقد دخل الرئيس السابق للبلاد محمد إيسوفو على الخط، وبدأ وساطة بين قادة الجيش والرئيس محمد بازوم.

وقف الدعم المالي

وقد اتهم المجلس العسكري دول مجموعة غرب إفريقيا (إيكواس) بالتخطيط لتدخل عسكري في العاصمة نيامي، مشيراً إلى أن تلك الخطة وُضعت بمشاركة دول إفريقية من خارج المجموعة، إضافة إلى دول غربية.

وسارعت جهات دولية عديدة لإدانة الانقلاب، بينما قرر الاتحاد الأوروبي وقف دعمه المالي للنيجر، وهددت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات مماثلة.

ولم يتضح بعد حجم الدعم الذي يحظى به المجلس العسكري بين مواطني النيجر؛ حيث خرجت أعداد كبيرة لدعم بازوم صبيحة يوم الانقلاب، لكن اليوم التالي شهد نزول مؤيدين للانقلاب إلى الشوارع أيضاً.

ولم تصدر أي تعليقات من بازوم المحتجز داخل القصر الرئاسي، إلا أن الاتحاد الأوروبي وفرنسا وآخرين يقولون إنهم ما زالوا يعترفون به رئيساً شرعياً.

واستنكرت اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم الأخبار التي تربط بين الانقلابيين وحصولهم على دعم الرئيس السابق ومؤسس الحزب إيسوفو بشأن الانقلاب على الرئيس الحالي. وقالت اللجنة في بيان رسمي، إن هذه «الشائعات» تضر بوحدة الحزب، وإن إيسوفو سلم القيادة لبازوم قناعة منه بالمبادئ الديمقراطية، وإن على أنصار الحزب ومناضليه العمل من أجل استعادة القانون والنظام والحكم الشرعي.

وعلى صعيد ردود الفعل حتى الآن طالب الاتحاد الإفريقي جيش النيجر بالعودة إلى ثكناته، وإعادة السلطة الدستورية خلال أسبوع. وأعلن بيان صادر عن مجلس السلم والأمن في الاتحاد عن طلبه من العسكريين العودة الفورية وغير المشروطة إلى ثكناتهم، وإعادة السلطة الدستورية.

من جهته، أكّد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الاتحاد «لا يعترف ولن يعترف بسلطات الانقلاب» في النيجر. وإضافة إلى تعليق كل المساعدات المالية، قال بوريل: إن الاتحاد الأوروبي سيعلق «كل التعاون في المجال الأمني على الفور وإلى أجل غير مسمى».

تحرك ماكرون وبلينكن

وندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشدة بالانقلاب العسكري، بينما أكدت الخارجية أن باريس لا تعترف بالسلطات المنبثقة عن الانقلاب. وعقد ماكرون اجتماعاً حول الدفاع والأمن القومي بالنيجر؛ حيث تنشر باريس 1500 جندي كانوا يتعاونون حتى الآن مع جيش النيجر، وقد يؤدي الانقلاب إلى إعادة النظر في الانتشار الفرنسي هناك.

وتعد النيجر واحدة من آخر حلفاء باريس في منطقة الساحل، بينما اتجهت كل من مالي وبوركينا فاسو الجارتين، بقيادة عسكريين انقلابيين، نحو شركاء آخرين بينهم روسيا.

وبعدما كانت النيجر تشكّل قاعدة لعبور القوات إلى مالي؛ حيث انسحبت قوة برخان الفرنسية بطلب من المجلس العسكري الحاكم في باماكو عام 2022، أصبحت الدولة الإفريقية الوحيدة التي ما زالت تجمعها بفرنسا شراكة «قتالية» ضد المجموعات المسلحة بالمنطقة.

وقالت الخارجية الأمريكية: إن أنتوني بلينكن أبلغ رئيس النيجر المخلوع -خلال اتصال هاتفي- بأن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان استعادة النظام الدستوري بالكامل في أعقاب هذا الانقلاب العسكري. وأضافت الوزارة أن بلينكن تحدث هاتفياً أيضاً مع نظيرته الفرنسية كاترين كولونا، وبحثا الجهود المبذولة لاستعادة النظام الدستوري في النيجر.

وتحتفظ الولايات المتحدة بقاعدتين عسكريتين في النيجر تضمان 1100 جندي، كما أنها تقدم مساعدات أمنية وتنموية بمئات الملايين من الدولارات.

ويبدو أن قضية الانقلاب سوف تستمر في التفاعل مستولدة المزيد من بيانات الرفض والإدانة، بينما تقول القوة كلمتها الأخيرة في تغيير الوقائع على الأرض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2wc5kyep

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"