«الغليان» لا يلغي الأمل

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

تتكاثر الأزمات العالمية بشكل مرعب، فكل أزمة تتعرض لها الإنسانية تفرز أزمات، بدلاً من حلها ووضع حد لها، وأزمات اليوم ليست أزمات رفاهية بقدر ما هي أزمات تمس الحاجات الأساسية لبقاء البشر، أزمات غذاء ومياه ومناخ وتضخم نتيجة حروب وصراعات واعتداءات بشرية على الطبيعة وتخليق فيروسات، أزمات تحاصر الإنسان من وتلاحقه وتفرز غلاء وعجزاً عن الوفاء بمتطلبات المعيشة واختلالاً في البنيان الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى اهتزاز سياسي، يخلف عدم استقرار للأفراد والدول.

النتيجة الطبيعية لكل ذلك تغيير الإنسان لأولوياته والانصراف عن السعي للإنجاز والتنمية والاستدامة لأجل حياة كريمة، إلى التفرغ للبحث عن سبل لتوفير لقمة العيش وشربة الماء التي تضمن بقاءه حياً بعد أن أصبحت الأزمات تهدد وجوده حال استمرارها وتكاثرها وإفرازها للمزيد من الكوارث والأزمات.

خلال الأيام الماضية تلقى الإنسان مجموعة من الصدمات التي تنذره من القادم، فالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يحذّر من انتقال العالم من عصر الاحتباس الحراري إلى عصر «الغليان الحراري العالمي»، بعد الارتفاعات القياسية غير المسبوقة في درجات الحرارة والتي جعلت من يوليو المنتهي أشد الشهور حرارة منذ بدأ الإنسان قياس درجات الحرارة؛ والغليان الحراري سيهدد التنوع البيولوجي والوجود الحيواني ويدمر المحاصيل الزراعية وهو ما ينعكس جوعاً على جوع تعانيه الإنسانية.

وفي نفس التوقيت، تنسحب روسيا من اتفاقية البحر الأسود لتصدير الحبوب، بعد أن اكتشفت خداع الغرب لها واستغلال الاتفاق لصالحه، ووضعت شروطاً من الصعب أن تستجيب لها الدول التي تدير الصراع في أوكرانيا، لتتفاقم الأزمات، حيث أصبح متوقعاً موجة جديدة من الغلاء في أسعار الغذاء رغم أن الموجة التي نجمت عن توقف الإنتاج خلال أزمة كورونا ثم الحرب في أوكرانيا أفقدت الإنسانية توازنها ولم يتم استيعابها واحتواء مخلفاتها حتى الآن، ووصل عدد من يعانون انعدام الأمن الغذائي حول العالم العام الماضي إلى 2.3 مليار شخص حسب منظمة «الفاو» أي ثلث سكان العالم، ومنهم 9 ملايين شخص يفقدون أرواحهم سنوياً بسبب الجوع، وهو الرقم المرشح للزيادة السريعة حال عدم وقف الحرب وعدم التصدي للغليان الحراري، الذي لن يكتفي بالقضاء على البشر جوعاً ولكن أيضاً قتلاً من الحرائق والفيضانات والعواصف والكوارث الطبيعية المفزعة التي جابت وتجوب قارات الدنيا خلال الفترة الأخيرة.

«الغليان الحراري» والغليان السياسي والانفلات العسكري والتكاثر الوبائي والجموح الاقتصادي لن يفرزوا فقط جوعاً بل سيفرزون أيضاً عطشاً للبشر وتصحراً للأرض وتهديداً لكل الكائنات الحية في عالم يعاني أزمات مياه من قبل، حيث الأنهار تجف وصراعات على المياه تحتدم وتهدد استقرار دول، ودول تسعى للسطو على مياه دول، ومدن تنفد فيها المياه ويقف أهلها طوابير للحصول على شربة ماء، ومثلما يعاني ثلث العالم جوعاً، تعاني 17 دولة تضم نحو ربع سكان العالم ارتفاعاً شديداً في الإجهاد المائي، وبينها العديد من الدول العربية، والنتيجة أيضاً انعدام الأمن الغذائي واضطرار الناس للهجرة، وتزايد الإحباط من حكومات غير قادرة على ضمان تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، لنصل في النهاية إلى الفوضى الاجتماعية والقلق السياسي.

رغم كل المآسي التي تهدد الوجود الإنساني فإن الأمل لا يزال قائماً، لأن الحرب القائمة يمكن وقفها في لحظة حال توافرت الإرادة السياسية لذلك لدى أطراف الصراع المتعددة؛ والغليان الحراري القادم بعد سنوات من الاحتباس يمكن السيطرة عليه إذا وافقت الدول الكبرى التي لوثت الكوكب على تحقيق مبدأ العدالة المناخية واستجابت لنداءات الأمين العام للأمم المتحدة وخفّضت الانبعاثات الكربونية وأحدثت طفرة في استثمارات التكيف لإنقاذ الملايين من «المذبحة المناخية»، والتزمت بتوفير التمويل اللازم، لتسريع وتيرة مواجهة التغير المناخي، وقدمت 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية من أجل الدعم المناخي وتجديد موارد الصندوق الأخضر للمناخ بالكامل، مثلما وعدت خلال انعقاد «كوب 27» في شرم الشيخ المصرية.

الإنسانية تتطلع إلى حكمة أصحاب القرار في منح الإنسانية استراحة من الحروب وإعادة النظر في سياساتهم التي تقودنا جميعاً إلى الهاوية، كما تتطلع أن يكون «كوب 28» الذي تستضيفه الإمارات هو الأمل والمؤتمر الفاصل للخروج من مرحلة الوعود بمواجهة مآسي المناخ إلى مرحلة الفعل والالتزام والانضباط الدولي لأجل مستقبل الإنسانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5x44wkuy

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"