انقلاب النيجر.. مفارقات وصدامات

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

إنّه التنازع الدولي على القوة والنفوذ في القارة الإفريقية.

لا يوجد سبب جوهري آخر يستدعي كل هذه التعبئة السياسية والإعلامية، والتوسع في فرض العقوبات الاقتصادية المشددة، والتلويح بتدخل عسكري من دول الجوار إثر انقلاب في النيجر.

لم يكن محض مصادفة توقيت أن تجري وقائع الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد بازوم، بالتزامن مع القمة الروسية الإفريقية في سان بطرسبورج.

بدا الصدام علنياً ومباشراً، بين فرنسا ممثلة للحضور الغربي في معادلات القارة، وروسيا الطامحة لإعادة التمركز بعدما تقوضت أدوارها إثر انهيار الاتحاد السوفييتي.

تلقت باريس ثلاث ضربات لنفوذها العسكري والاقتصادي والثقافي في غرب إفريقيا، مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

الضربات المتتالية طلبت فصم العلاقات مع الإمبراطورية الاستعمارية السابقة.

كان الحضور الروسي بارزاً بصورة مباشرة وغير مباشرة.

نظمت تظاهرات مؤيدة لانقلاب النيجر أمام السفارة الفرنسية بالعاصمة نيامي، أشعلت النيران فيها ورفعت العلم الروسي عليها.

تبدت ذريعتان رئيسيتان على مسرح الحوادث المتدافعة.

الأولى، تسوغ التصعيد إلى مستوى غير مسبوق في أية أزمة إفريقية، مماثلة بالدفاع عن الديمقراطية والشرعية وضرورة العودة بأسرع وقت ممكن إلى المسار الدستوري، وقد تبنتها القوى الغربية، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً.

لأسباب مختلفة يتبنّى الاتحاد الإفريقي الموقف نفسه.

استخدمت روسيا خطاباً مقارباً، بالدعوة إلى عودة الديمقراطية واستئناف المسار الدستوري بعودة الرئيس، لكنها تحفظت على أي تدخل عسكري.

كان ذلك دفاعاً عن حلفائها المفترضين في غرب إفريقيا.

الثانية، تسوغ الانقلاب بدواعي تغوّل الدور الفرنسي على مقدرات الحياة الداخلية، رغم حصول النيجر على استقلالها عام (1960).. مرة باسم مكافحة الإرهاب، ومرة أخرى باسم الإرث الثقافي الفرنكفوني المشترك.

إنه اليورانيوم قبل أي حديث عن المبادئ الديمقراطية.

من المفارقات أن (70%) من الكهرباء التي تنتجها المفاعلات النووية الفرنسية، يستخدم فيها اليورانيوم المستخرج من النيجر، فيما البلد نفسه يعتمد بنسبة مقاربة على ما يصله من نيجيريا لسد احتياجاته من الكهرباء!

بعد الانقلاب أوقف تصدير اليورانيوم لفرنسا.

كان ذلك داعياً لغضب في باريس وصل إلى حد استخدام نفوذها لدى المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا المعروفة اختصاراً ب«إيكواس» لتمضي قدماً في سيناريو التدخل العسكري بدعوى إعادة الشرعية إلى النيجر.

بمعنى أكثر دقة: استعادة النفوذ الفرنسي العسكري والاقتصادي والثقافي.

كان اجتماع رؤساء أركان دول «إيكواس» في نيجيريا للنظر في خطط التدخل العسكري إشارة إلى أن غرب إفريقيا كله، لا النيجر وحده، يوشك أن يشتعل بالنار.

أحد دواعيها للتدخل العسكري خشية أن يتكرر السيناريو الانقلابي في دولهم نظاماً بعد آخر، فيما يشبه «أحجار الدومينو» المتساقطة!

كأي ألعاب خطرة تتبدى الآن على سطح الحوادث المتدافعة، احتمالات انزلاق غرب إفريقيا إلى المجهول.

من غير المتوقع أن تتورط فرنسا بصورة مباشرة في أي عمل عسكري، لكنها حاضرة وشريكة رئيسية بالتحريض والتخطيط والتسليح إن لزم الأمر.

من المستبعد تماماً أية أدوار مباشرة للولايات المتحدة، لكنها لا تخفي باسم الديمقراطية والحفاظ على المسار الدستوري دعمها الضمني لسيناريو التدخل العسكري.

تدخل البنتاجون برسائل دعم مباشرة، فيما كان يفترض أن يترك الأمر كاملاً للبيت الأبيض ووزارة الخارجية، كما جرت العادة في الأزمات المماثلة.

بدا الأمر في جانب رئيسي منه استضعافاً للنيجر.

المعنى التقطه قائد الانقلاب عبدالرحمن شياني، واصفاً العقوبات الاقتصادية التي فرضت على بلاده بأنها «غير عادلة وغير إنسانية.. وفيها استهتار بالجيش».

هكذا استخدم العقوبات، التي تبارى في فرضها الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، في اكتساب صفة الضحية، وتوحيد الجيش خلفه.

أبدت دول أوروبية عديدة خشيتها من الاندفاع إلى المجهول، واحتذت روسيا موقفاً متوازناً مقصوداً؛ حيث دعت إلى عودة الرئيس المنتخب وتحفظت على العمل العسكري.

تحاول موسكو أن تكسب مواقع أقدام جديدة في القارة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وأدوار «مجموعة فاغنر» حاضرة في المشاهد المحتقنة.

المصالح الاستراتيجية، قبل المبادئ والقيم تحكم قواعد التنازع الدولي، على قيادة العالم عند لحظة فارقة تحتدم فيها مواجهات السلاح في الحرب الأوكرانية.

هذه حقيقة ما يحدث الآن من مفارقات وصدامات، في ذلك البلد الإفريقي الفقير وشبه المنسي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxmkajs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"