عادي

تفاصيل من حرب فيتنام تجسّد وحشية الإنسان

23:27 مساء
قراءة 3 دقائق
كيم توي - غلاف

القاهرة: «الخليج»

أصدرت دار العربي للنشر والتوزيع، رواية «ابنة حرب فيتنام» للكاتبة الكندية من أصل فيتنامي «كيم توي» ترجمة باسنت عصام، وتتحدث الكاتبة عن الحرب مرة أخرى بعد روايتها «فتاة من فيتنام» وتحكي مقتطفات من حرب فيتنام على طريقتها، فتسرد قصصاً لعدة شخصيات، تتشابك وتتعقد العلاقات بينهم، لكن في النهاية تجمعهم حرب واحدة ومصير واحد، ومعهم يطاردنا السؤال: كيف يمكن البدء من جديد؟

في كل مناطق النزاع يتسلل الخير بين ثنايا الشر، ويتمخض من رحم الحروب وويلاتها، ويشقّ لنفسه طريقاً بين دروب الشر، لكن حينها لابد أن تتشابك خيوط الخيانة والوفاء، وتتقاطع دروب الحب والفقد، وكل طرف لا يشغله سوى أن ينال من عدوه، وينتصر عليه.

وفي حلبات الحروب تتجلّى صفات الإنسان الأكثر تناقضاً، بين الجنون والعقلانية، وبين الجزع والجلد، وبين الولاء والخيانة، وبين العظمة والدناءة، وبين البراءة والسذاجة، هذه هي أصول الحرب وقواعدها، والرواية تكشف جانباً من الحقيقة، من واقع قصص حقيقية وواقعية، لكنها غير مكتملة.

تقول الروائية: «في إحدى الشهادات التي طالعتها ذات مرة قرأت أن جندياً رأى أمام عينيه في إحدى المرات عدوه يركض مسرعاً نحو دبابة حاملاً على كتفيه بندقية يبلغ طولها متراً وثلاثين سنتيمتراً ويبلغ وزنها 17 كيلوغراماً، لقد رأى الجندي في هذا اليوم أمامه رجلاً لا يهاب الموت، رجلاً مستعداً لبذل كل شيء في سبيل قتل أعدائه، رجلاً مستعداً للتضحية بحياته في سبيل قتل الآخرين، وفي سبيل إعلاء كلمة الموت، فكيف يمكن لإنسان أن يُفني نفسه في سبيل قضية إلى هذا الحد؟».

كيف يمكن لعقل بشري أن يتصور مشهداً لأمّ تفرّ بطفليها وتقطع مئات الكيلومترات بين الأدغال نحو مصير مجهول؟ فقد كانت هذه الأم تروح وتغدو جيئة وذهاباً بين طفليها اللذين كانت تربط كلاً منهما في فروع الأشجار، لحمايتهما من الحيوانات المفترسة.

كانت تربط الطفل الأول في فرع شجرة وتتركه وراءها، ثم تحمل طفلها الثاني وتبتعد به حتى تصل إلى نقطة ما وتربطه بدوره في فرع إحدى الأشجار ثم تعود إلى طفلها الأول، الذي تركته معلقاً خلفها، وتحمله حتى تصل إلى طفلها الثاني، وتعود لتكرر المسار ثانية، كيف كانت تقطع هذه المسافات وتتكبد كل هذا العناء وحدها؟.

كانت هذه المرأة على مشارف التسعين، حين استمعت الروائية إلى حكايتها، لمدة ست ساعات، ومع ذلك كما تقول: «لا يزال ينقصني الكثير من التفاصيل المهمة في قصتها» فقد نسيت أن تسألها كيف كانت تعثر على تلك الأحبال لربط طفليها في فروع الأشجار، أو هل يحمل أولادها ندبات جراء تلك الأحبال على أجسادهم إلى اليوم؟ ربما لم تعد تتذكر تلك السيدة من هذه القصة سوى مرارة طعم البطاطا البرية، التي كانت تضطر إلى مضغها وتفتيتها، حتى تتمكن من إطعامها لصغارها.

تقول الروائية: «يا عزيزي القارئ إن كان صدرك سينقبض من مثل هذه التفاصيل القاسية، التي تجسد الهوس البشري ووحشية الإنسان، أو أن قلبك سيلين من قصص الحب المفقود وقصص البطولات التي سأسردها عليك، فاعلم أن الحقيقة الكامنة كانت ستصبح أشد وطأة عليك».

في هذه الرواية نطالع أجزاء من الحقيقة، أجزاء منفصلة، وقصصاً مبتورة، وتفاصيل مقتطعة من سياقها الزمني والمكاني الكامل، فهل سيظل الواقع حقيقياً ودقيقاً في هذه الحالة، كل ما تفعله الكاتبة أنها تلقي الضوء على ماضيك وحاضرك وحقيقتك أنت أيضاً، من خلال هذه القصص المتناثرة، إنها رحلة تعج بالشعور والأحاسيس المتضاربة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/494v8e63

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"