حسابات ترامب

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

تولى رئاسة الولايات المتحدة 43 رئيساً قبل دونالد ترامب، ورئيس بعده، جميعهم حاصرتهم الأضواء منذ إعلان فوزهم بالمقعد الرئاسي، وانحسرت عنهم يوم خروجهم من البيت الأبيض. الاهتمام الإعلامي بالرئيس الأمريكي ليس اهتماماً بشخص، بل بكرسي يدير الجالس فوقه العالم، وأياً كان اسم ساكن البيت الأبيض أو شكله أو قدراته، فإنه الرجل الذي يشعل الحروب وقتما يريد، يخلق أزمات اقتصادية وسياسية لمن يريد، يتحالف مع من يريد ويعادي من يشاء، يحاصر ويعاقب دولاً ومؤسسات وأفراداً، يتخذ من بعض رؤساء الدول الهشة ومن بعض الحلفاء، دمى وأبواقاً تنطق بما يمليه عليها، يلغي اتفاقيات دولية دون أن يحاسبه أحد، يشن معارك سياسية وإعلامية على من يختلفون معه، يحمل بين يديه كل أشكال وألوان الأسلحة التي يستطيع بها تفجير العالم وتوتير الكوكب وإشغاله بصراعات وعنف وفوضى، ابتداء بالزر النووي حتى حقوق الإنسان وحرية التعبير ومؤسسات المجتمع المدني التي تحولت إلى أدوات لخلخلة وهدم دول دون قتال ودون إطلاق صواريخ أو تحريك أساطيل وطائرات ومدرعات. دونالد ترامب الوحيد الذي جاءت به الأضواء إلى البيت الأبيض، من ملياردير أصبح نجماً لتليفزيون الواقع، لديه قدرات على جذب الأضواء إليه واستغلال الممكن والمستحيل لتحقيق مآربه، وبعد أن جمع الثروة ونال الشهرة الواسعة، وضع عينيه على السلطة وقرر اقتناصها، مستغلاً قدراته المادية ونجوميته التليفزيونية، ترشح للرئاسة وأجمع الخبراء على فشله، ودخل الانتخابات ولديه يقين الفوز ولدى معظم الساسة والمحللين وقادة العالم وغالبية الرأي العام الأمريكي والعالمي يقين بأنه خاسر، وكان اقتناصه الفوز المفاجأة الكبرى، ليقع العديد من صناع السياسة الأمريكية والعالمية في حالة «حيص بيص»، ويهرولون ومستشاروهم بحثاً عن الأساليب المفترضة للتعامل مع الرجل القادم من خارج الحياة السياسية ليتلاعب بساسة العالم.

ازدادت الأضواء حول ترامب خلال سنوات حكمه الأربع، بسبب المشاكل التي أثارتها سياساته الداخلية والخارجية، وحدته في التعامل مع رؤساء الدول ومع الشركاء الأمريكيين من الحزب الديمقراطي، وخروجه عن القواعد التي أرستها الدولة الأمريكية منذ تأسيسها 1776 وحتى دخوله البيت الأبيض 2016، وهجومه على حلفاء أمريكا وافتعاله أزمات مع الأقربين وتقربه من الأبعدين.

يقين ترامب بأنه سيفوز على هيلاري كلينتون ويسكن البيت الأبيض، لم يكن نتيجة رؤى علمية وسياسية واجتماعية، ولا نتيجة ثقة بالذات، بل كان نتيجة إحساس متضخم بالذات، وجرأة غير معهودة في الهجوم على قواعد الدولة العميقة، وقدرة على مداعبة غرور الناخب الأبيض وعنصريته، ولذا فإن اليقين الذي أوصله إلى البيت الأبيض هو الذي أوهمه بأنه سيظل مقيماً فيه لمدة 8 سنوات إن لم ينجح في تغيير الدستور الذي لم يتم المساس به منذ أن وضعه المؤسسون ليبقيه مدداً أطول وينقل أمريكا من دولة تدّعي الدفاع عن الديمقراطية عالمياً إلى دولة تنتهك الديمقراطية، وعلى الرغم من رسوبه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن يقينه دفعه إلى الخروج عن المألوف، وعدم تقبل النتيجة، والتشكيك في الانتخابات، وهو اليقين الذي ما زال يتملكه حتى اليوم، حتى وهو يدفع ثمنه في المحاكم. وعلى الرغم من مرور 3 سنوات على خروج ترامب من البيت الأبيض، فإن الأضواء لم تنحسر عنه مثل سابقيه، ليظل نجماً في سماء السياسة الأمريكية، وهو ما جدد لديه اليقين بالقدرة على العودة إلى البيت الأبيض مرة ثانية، مستغلاً بذلك ما لديه من جرأة في الخطاب وقدرة على تشويه من يتجرأ على منافسته، وأيضاً يقاتل المدعين عليه الذين فرضوا محاكمته في 90 جناية، يذهب إلى المحكمة ويحضر الجلسات ويتحدى القضاة، ليحوّل الجلسات إلى جلسات إدانة لمحاكميه والمدعين عليه والرئيس بايدن والحزب الديمقراطي. ليس مستبعداً أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض، ولو تحقق ذلك، فإن فترة حكمه المقبلة، ستكون فترة تصفية حسابات لرجل تتحكم في تصريحاته وسلوكياته لغة الحسابات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdks2wnv

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"