انتخابات «الغابون» وعواصفها اللاحقة

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، اختارت جمهورية «الغابون» تجربة دستورية تقوم في جزء كبير منها على التعددية الحزبية، وهي دولة إفريقية تستأثر بثروات طبيعية كالخشب والنفط والغاز والماس والذهب واليورانيوم، وبموقع استراتيجي مهم على الساحل الغربي لوسط إفريقيا، فيما يناهز عدد سكانها نحو 2.5 مليون نسمة تقريباً، ورغم بعض الإكراهات الاجتماعية فهي تعتبر أكثر ازدهاراً من الناحية الاقتصادية مقارنة بمعظم البلدان المجاورة.

 شهدت البلاد مؤخراً تنظيم انتخابات رئاسية تشريعية وجهوية، دُعي إلى المشاركة فيها زهاء 850 ألف ناخب مسجل في اللوائح الانتخابية. وعلى مستوى الانتخابات الرئاسية، تقدم للتنافس في هذه الاستحقاقات 14 مرشحاً على رأسهم «علي بونغو» الذي سعى إلى كسب ولاية رئاسية ثالثة، بعدما خلف والده «عمر بونغو»، الذي حكم البلاد لمدة 41 عاماً.

 أشار الكثير من التقارير الإعلامية إلى أن الرئيس كان يتوفر على حظوظ كبيرة للظفر بولاية ثالثة، خصوصاً أن الدستور لا يحدد عدد الولايات بالنسبة لمنصب الرئيس، كما أن الحزب الديمقراطي «الغابوني» الذي ينتمي إليه «علي بونغو» له حضور قوي داخل البرلمان بغرفتيه (مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية)، فيما فشلت المعارضة في تقديم مرشح واحد، حيث وصل عدد منافسي الرئيس الحالي إلى 13 مرشحاً.

وقد أجرى البرلمان خلال الأشهر القليلة الماضية تعديلاً دستورياً قلّص من خلاله ولاية الرئيس من سبع إلى خمس سنوات، كما قضى بالتخلي عن التصويت عبر جولتين، والاكتفاء بجولة واحدة، وهو ما رفضته المعارضة، واعتبرته إجراء يتيح للرئيس الحالي الظفر بولاية رئاسية جديدة.

 ورغم ذلك، كان هناك الكثير من المؤشرات التي تؤكد أن مهمة «بونغو» لن تكون سهلة في هذه الانتخابات، لاعتبارات عدة: فخلال الاستحقاقات السابقة لعام 2016 فاز بفارق ضئيل لم يتجاوز 5594 صوتاً عن منافسه المعارض «جانغ بينغ». وهي الانتخابات التي انتهت باحتجاجات عارمة، لم تخلُ من عنف واعتقالات بعد تشكيك المعارضة في نتائجها.

 ويبدو أن المعارضة تداركت الأمر قبيل انعقاد هذه الانتخابات، حيث تم الاتفاق بين عدد من أحزاب المعارضة الرئيسية بالبلاد على المرشح «ألبرت أوندو أوسا» الذي اكتسب شعبية واسعة خلال تجمّعاته الانتخابية الأخيرة، ووعد بالإطاحة بعائلة بونغو، والقضاء على الفساد وسوء الإدارة.

 وفي الوقت الذي شكّكت فيه المعارضة في نزاهة هذه الانتخابات التي أُجريت في غياب مراقبين دوليين، وأكّدت وجود عدد من المخالفات التي طالتها، وطالبت الرئيس الحالي بالإقرار بالهزيمة وتسليم السلطة ل«ألبرت أوندو أوسا»، أعلنت الحكومة من جانبها بعد إغلاق مكاتب التصويت حظر التجول، وتعليق استخدام الإنترنت، وبرّرت الأمر بالحيلولة دون انتشار الدعوات إلى استخدام العنف.

 وفي الوقت الذي أكد فيه المركز الغابوني للانتخابات فوز «علي بونغو» بولاية جديدة بعد حصوله على 64.27 في المئة من مجموع أصوات الناخبين، وحصول منافسه «ألبرت أوندو أوسا» على 30.77 في المئة من هذه الأصوات، أعلن قادة عسكريون من الجيش الغابوني السيطرة على الحكم، وإلغاء الانتخابات، معتبرين أنها مرّت في أجواء غير سليمة، كما تم وقف العمل بالدستور، وحلّ مؤسسات الدولة (الحكومة، ومجلس الشيوخ، والجمعية الوطنية، والمحكمة الدستورية، ولجنة الانتخابات) إضافة إلى إغلاق حدود البلاد، مع اتهام أعضاء الحكومة بالخيانة العظمى، فيما تم وضع الرئيس قيد الإقامة الجبرية، في حين شهدت شوارع العاصمة ليبرفيل مظاهرات داعمة للانقلاب، قبل أن يوجّه الرئيس بونغو عبر تسجيل مصور رسالة إلى كل العالم والأصدقاء، مطالباً إياهم بالتحرك لمواجهة قادة الانقلاب.

وقد أعرب الكثير من دول العالم عن مخاوفهم من أن يؤدي هذا الانقلاب إلى مزيد من عدم الاستقرار داخل القارة الإفريقية، وأبدوا رفضهم للانقلاب، ودعوا إلى إرساء حوار داخلي يدعم الاستقرار في هذا البلد الإفريقي.

 إن عودة الانقلابات العسكرية بقوة إلى القارة الإفريقية هي نتاج طبيعي لصراع داخلي على السلطة يتجاوز منطق التداول السلمي على السلطة، وتعبير عن هشاشة الإصلاحات السياسية المتخذة لبناء دول مستقرة، من جهة، كما أنه تجسيد لتصاعد التدخلات الخارجية التي تروم استغلال ثروات هذه الدول التي فشلت في تحصين ذاتها، من جهة أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzfc487

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"