الماء.. ملتقى العلم والعرفان

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا يكفّ القلم عن الغمز من قناة أنظمة التربية والتعليم العربية؟ هي في كل عتاب تُطلق زفراتها: «أأنا العاشقُ الوحيدُ لتُلقى.. تبعاتُ الهوى على كتفيّا؟» كيف يريد الناس منها أن تطلب من التنميات المتعثرة في أبسط ضروريات الحياة، أن تنفق المليارات على تطوير التعليم، وعشرات المليارات على مراكز البحث العلمي؟ أكبر معجزة يمكن أن تحققها أمّة «اقرأ»، هي أن تمحو الأمّيّة حتى تقرأ، ولكل حادث حديث.

لكن، ألا يغلي دمك ويفور عندما تقرأ مقالاً عن فريق بحث علمي في جامعة «كوين ماري» اللندنية، توصّل في دراسات فيزيائية عن الماء، إلى اكتشاف قد يغيّر فهم الإنسان للكون؟ فالذهن ينصرف برقيّاً إلى: «وجعلنا من الماء كل شيء حيّ» (الأنبياء 30). هل يُعقل أن ينحصر فهمنا وإدراكنا في الجملة كتركيب لغوي، ونطير فرحاً عند إعراب الآية، وكأن الإيمان وما يقتضيه ويمليه مسألة نحو وصرف وبلاغة؟ أولئك الباحثون علماء فيزياء تعمل أدمغتهم وعقولهم بطاقة روحية صوفية، حتى ولو لم تكن لهم أدنى علاقة بالتصوف.

أيّ عرفان هو أن تسافر بعيداً في تاريخ الماء. فيزياء الماء أبعد وأوثق أواصرَ بالثوابت الفيزيائية الأساسية، من مجرّد أنه لو كانت لُزوجته أكثر أو أقل، ما كانت الحياة لتنشأ في الخلايا. ماذا لو كان الدم في شراييننا شديد الخثورة أو شديد الرقّة؟ وماذا عن النسغ في النباتات، وفي الأشجار الباسقات بالذات؟ تسأل عن الأبعد؟ لقد كان على ظهور الحياة أن ينتظر مليارات السنين بعد الانفجار العظيم، «ريثما» تصنع النجوم العملاقة العناصر الثقيلة كالحديد والنيكل والبلاتين والذهب واليورانيوم... تلك تُصنع في حرارة مئات ملايين الدرجات المئوية، فلا تستطيع شمسنا الضئيلة صنعها. حين تنفجر النجوم العملاقة تنفث في الفضاء الكوني ما يعادل وزن الأرض خمسين مرّة ذهباً. يا سعد من يجاورها، إذا لم يكن بتعبير الشابي: «تبخّر في جوّها واندثرْ».

اكتشف العلماء أن نسبة اللزوجة في الماء، أو السيولة، لها علاقة بالثوابت الفيزيائية الأساسية في الكون، وهذه مندمجة في علوم الحياة. الأبعاد الإيمانية للآية لا تقف عند حدود النحو والبلاغة. الأمل وطيد في أن تدرك المناهج العربية ذلك في مقبل السنين أو آتي العقود. أمّا ما يحيّر الباحثين، فهو أن تلك الثوابت الفيزيائية تصوغ بنية الكون ولا تتغيّر عبر الزمان، من ذلك كتلة الإلكترون، كما أنها تؤدي إلى تشكل جزيئات أساسيّة، كجزيء الماء، لكنهم يجهلون التفسير الفيزيائي!

لزوم ما يلزم: النتيجة التلخيصية: لو لم تكن درجة سيولة الماء مرتبطة بثوابت الفيزياء الأساسية، لتغيرت وصارت الحياة غير ممكنة. هو ذا ملتقى العلم والعرفان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3czd3xhy

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"