خواطر في ثقافة ترميم الهويّة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ستذهب إلى ما هو أبعد من التأمّلات؟ إذا آثرت الرضا من الغنيمة بالإياب، فالدردشة أضمن للسلامة. عندما تسأل القلم، في قضيّة القضايا التي تواجهها الأمّة، عن سبب تفضيل كلمة «ثقافة» دون غيرها من المفردات الممكنة في هذا السياق، يُجيبك: ذلك لأن الثقافة مكتسبة، بالتعلم والتلقي والتلقين، فهي أهون وقعاً، وإلا فعجباً للأمّة التي لا يكون ترميم هويتها، كائناً وكامناً في تكوينها، في خلاياها، في حمضها النووي، أي في نشأتها البيولوجية.

في الشيفرة البيولوجية في النبات والحيوان والإنسان، حين يحدث للكائن عطب في جسمه، متعمّد أو لأيّ خلل، فإن تفاصيل مواجهة الخطر مرسومة على صفحات الرموز الوراثية. يَعرف بدن الآدمي كيف يجعل الدم يتخثّر فيوقف النّزْف. موسوعة ردود الفعل البيولوجية لدى الإنسان مجلدات في مكتبة الخليّة. المشكلة الصحية المزمنة في هذه الأمّة، هي أنها حين يصيبها مكروه يظل صنبوراً مفتوحاً، لا تفطن له.

القصة مقلقة، بل أنكى. هل تستطيع أن تصف لنا معالم ثقافة ترميم الهوية في هذه الأمّة. لو كانت آليات الترميم حاضرةً حيّةً في جيناتها، ما كنّا نرى شريط التداعيات التي حلت بها طوال التاريخ الحديث، ولم تستقم لها أوضاع، ولكانت اليوم بما تملكه من ثروات وإمكانات، في عداد الأمم المتقدمة. لقد كانت في العقود الأولى من القرن العشرين أفضل حالاً بما لا يقاس من الصين وكوريا. الترميم إذاً غير مخزّن في مورّثاتها بيولوجيّاً. وماذا عن ثقافة ترميم الهوية؟ كان في الإمكان أن تلتحق بالركب في النصف الأخير من القرن الماضي. لكن، ها نحن نرى تداعي أحجار الدومينو، من دون أن تتحرك شعرة في مفرقها. كأن ترميم الهوية أمسى على الرفّ، فما هو أشدّ حرجاً، هو أن استشراف التزحلق نحو الدومينو لم يعد يثير التأهب والاستعداد لمواجهة الأخطار. أهل التحليل الكاريكاتوري يرسمون الجسم كأعضاء مفككة فقدت الاتصال العضوي بالجهاز العصبي المركزي، فصارت تتحرك بغير إرادتها بما يشبه خيوط مسرح الدمى. هؤلاء يبالغون، فهم يرون العالم بعيون فنيّة، عبر السوريالية أو التكعيبية أو مسرح اللامعقول. أمّا العقلاء الواقعيون، فيدركون أن العمل العربي المشترك قائم على قدم وساق ليل نهار في سبيل تماثل العصر الحجري، في ليبيا، السودان، سوريا، العراق، اليمن، غزّة وغداً... «وإنّ غداً وإن اليوم رهنٌ.. وبعد غد بما لا تعلمينا».

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستئنافية: تلك خواطر، وجبرُها سيكون بدرء الأخطار المحدقة بترميم الهوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xedfu3b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"