زلزال المغرب وقيمة التضامن

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

أثارت صور الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب قبل يومين موجة تضامن عربية وعالمية واسعة النطاق، وسارعت دول عدة بإرسال المساعدات وأطقم الإنقاذ لتقديم العون في رفع الأنقاض وإنقاذ العالقين وإغاثة المنكوبين من ضحايا هذه الكارثة الطبيعية. وتشكل هذه الفزعة العربية والدولية حركة نبيلة وقيمة مطلوبة، تقتضي تجاوز التباينات والخلافات، بما يساعد على تخطي مرحلة حرجة يمر بها العالم.

أمام مثل هذه المصائب، تعجز الأقلام والمواقف عن توصيف الفاجعة، ولا سبيل إلى التعزية في الضحايا ومواساة المنكوبين غير التضامن وتقديم الغوث، فمثل هذه الكوارث، وخاصة الزلازل، طبيعية وموجودة منذ الأزل، ولا يستطيع البشر، مهما أوتوا من قوة وعلم وإدراك، التحكم فيها أو حتى توقعها، وأكثر ما يمكن فعله للتخفيف من آثارها، إنشاء بنى تحتية متينة تستطيع مقاومة الهزات الأرضية إلى حدود معينة من القوة على مقياس ريختر. وهذه واحدة من أسرار الطبيعة التي يسعى الإنسان إلى فك ألغازها منذ أمد طويل.

ومع تعذر ذلك تبقى الأخوة الإنسانية هي الضامن لتجاوز مثل هذه المحن. وما شهده العالم من نجدة ومسارعة بإغاثة تركيا وسوريا حين ضربهما الزلزال المدمر في فبراير الماضي، ها هو المشهد ذاته يتكرر مع المغرب، في مواقف إنسانية خالصة بعيدة عن أي شائبة سياسية، وقد كان الموقف الجزائري المتضامن مع المملكة والاستعداد لتقديم المساعدات وفتح الأجواء أمام الطائرات للإغاثة ونقل الجرحى، لافتاً وعبّر عنه الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط بقوله: «هكذا هي الروح التضامنية العربية والتي نسعد برؤيتها تسود بين الإخوة.. لعل ذلك يُبنى عليه لاحقاً».

في حالة الكوارث الطبيعية الكبرى تتجلى القيم الإنسانية في معانيها السامية والنبيلة، وهي مكسب للتعايش والتسامح وتجاوز الخلافات. ومن الإغراق في المثالية فإن التباين والخلاف والصراع بين البشر لا ينتهي أبداً، لكن يمكن عقلنته بمراعاة المصالح المشتركة والمصير الواحد. وما يواجهه العالم اليوم من ظروف استثنائية وشعور بالخوف على المستقبل، يستدعي عملاً إيجابياً ووعياً جماعياً يقود إلى صيغة تسمح بالوحدة الإنسانية في مواجهة كل التحديات، سواء كانت طبيعية أم بشرية، بدءاً من قضايا الحرب والسلام والتنمية والاضطربات الاقتصادية، وصولاً إلى أزمة المناخ المتصاعدة والمتسببة في كثير من الكوارث ومنها تسارع وتيرة الزلازل، بحسب بعض الدراسات.

ربما يستدعي الوضع العالمي الطارئ وضع مثياق دولي جديد يواكب التطورات وينسجم مع التحولات في شتى المجالات. فالقواعد القديمة لم تعد صالحة لإدارة هذه الأوضاع لأنها بنيت لعصر غير هذا العصر ولتوازنات غير هذه التوازنات. ومن هذا المنطلق تأتي الدعوات إلى إعادة النظر في كل الأنظمة والقوالب السابقة، والنظر في صيغ أخرى تنتصر للقيم الانسانية السامية وتأخذ في الاعتبار التقدم الكبير في العلوم والمعارف، وما يرافقه من استحقاقات لدى كل المجتمعات.

كارثة زلزال المغرب، كغيرها من الكوارث الطبيعية مؤلمة، ومثلما تخلف ندوباً غائرة في الذاكرة تترك صوراً رائعة عن التضامن الإنساني الذي سيبقى القيمة الأسمى بين البشر للتغلب على الصعاب والإيمان بأن المصير البشري واحد، وإن تفاوتت القوى واختلفت الثقافات والحضارات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/97vevff8

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"