الشعر في مَفرَق المتاهات

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

هل انصرف ذهنك إلى أن الشعر يواجه انسداد الدروب؟ المقصود هو أن الشعر العربي، كما في اللغات الأخرى، وصل إلى مفرق طرق، هو في متاهات، مفهومة عند التحليل الموضوعي. الأمر سهل الإدراك في علم الأحياء، حين يفقد العضو وظيفته، أو تنقطع عنه الروافد التي تجعل منه كائنا حيّاً ينمو.

دعنا من الشعر العالمي، فهمّنا هو شعرنا العربي. لكن، من الضروري ألاّ نهمل التحديات الكبرى، التي يواجهها الشعر عالميّاً، بمثل مهارات المنظمات العربية في مواجهة التحديات. الفلسفة كانت أذكى من الشعر، فمنذ القرن التاسع عشر نضت عنها أثواب المذاهب الفلسفية الكلاسيكية، وتجلّت في فلسفة العلوم. اليوم الكثير من حملة الدكتوراه في الفيزياء، زامنوها مع دكتوراه فلسفة العلوم. غدت المعادلات الفيزيائية ورياضياتها غير كافية في محاولة فهم ما بعد أصغر صغير وأكبر كبير. العبء الآخر الذي استراحت منه الفلسفة هو إدراك الذات، وضعته على عاتق علم النفس، الذي تقاسمه مع العلوم العصبية، التي ستستولي عليه برمّته. من هنا يقال: إن الفلسفة كلّها تتلخص في سؤالين: من أنا؟ وما هو محيطي؟ لا تقل: إن الشعر فنّ لا علاقة له بكل ذلك. للإبداع في نهاية المطاف فضاء وملعب هما مسرح الخيال. لكن الخيال له عناصر تتحرك في محيط، لخّصه القرآن بعبارة رائعة: «في الآفاق وفي أنفسهم» (فصلت 53)، أي الكون الفيزيائي المادّي، والكون الموازي المعنوي الباطن. المفارقة الظريفة، هي أن الفلسفة الكلاسيكية والشعر كانا يلوحان متناقضي المسير والمصير، ولكنهما في النهاية التقيا عند نقطة عجيبة، وهي فرسان العلوم الذين أوقفوا اشتراكيهما في نادي الخوض في شؤون الكون والنفس. صار للشاعر منافسون في الحديث عن النجوم والمجرّات والسديم والكون، هم علماء الفيزياء الفلكية والفيزياء الكميّة.

إشكاليات الشعر العربي مفرق متاهات. الشعر العربي الحديث مسار غير سليم، مصطنع مع استلاب. من الجاهلية إلى السيّاب ونزار، كان التأصيل والتناغم واضحين، فبين عبد الصبور والفيتوري ونازك وشوقي وابن زيدون والمتنبي وكعب ابن زهير، خط وراثي جليّ. لكن بين الموجات الحداثوية وما بعدها وما قبلها من انفلاتات تجريبيّة، لا توجد أيّ صلات بالجذور، أي أن النموّ كان دخيلاً لا أصيلاً. المأساة الموازية هي الانهيارات اللغوية والأسلوبية. إشكالية الشعر العربي القديم، هي مراكمة الأفكار وقلّة الخيال. أيّ شعر وأيّ خيال في قول المتنبي: «وجرم جرّه سفهاء قومٍ.. وحلّ بغير جارمه العذابُ»؟ لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: الفلسفة غيّرت جلدها صارت فلسفة العلوم، الشعر لا يستطيع أن يجد ملاذاً في الفيزياء وعلم الأحياء، لكن قد يكون الخلاص في إيقاعات وآفاق خيال جديدة. سيحتاج النقاد إلى بحث علمي في مصير الشعر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4b82bbhu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"