آفاق جديدة للإيقاع الشعري

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

في شعرنا العربيِّ قُلْ كيف الخروجُ من المتاهة؟ لم يحدث قطّ في ماضينا أن اجتمع لفيف من الشعراء والأدباء والنقّاد، وتدارسوا أمور هذا الفن الإبداعي. لم يسأل أحد من كبار الأعلام في تاريخ الأدب العربي: ما هي أشكال البناء الإيقاعي الموسيقي، الممكن تطويرها وتظهيرها من القائمة القائمة؟ لم تخطر تلك الأسئلة ببال الخليل والجاحظ وابن رشيق، ولا أهل القرن العشرين.

يقيناً، نحن لا نغفر مثقال ذرّة في قضايا موسيقى الشعر، للرّواد بعد منتصف القرن الماضي، لأسباب كثيرة، منها أن شعراء ما قبل العصر الإسلامي هم الذين أبدعوا واخترعوا الأوزان الستة عشر، فلم يُضيفوا إليها شيئاً. القلم يستبعد استعارتها أو استنساخها عن إيقاعات شعرية للغات أخرى، جزيريّة أو غيرها. كُتُب عروض الشعر في اللغة الآراميّة (السريانيّة) متاحةٌ على الشبكة، وهي محدودة موسيقيّاً، فقيرةٌ إيقاعيّاً، وحتى لا نتجنّى في المقارنة على الشعر الآرامي، بغير بحث وتحقيق، قد تكون العلّة كامنةً في أن اللغة الآرامية سيطرت على خريطة جغرافية شاسعة طوال ألف سنة: الشرق الأوسط العربي اليوم، إضافة إلى تركيا، إيران (كانت لغة البلاط الهخامنشي في القرن الخامس ق.م)، أفغانستان، الهند، وحين غزا الكنعانيون (الفينيقيون) شمال إفريقيا إلى الحدود الإسبانية، حملوا معهم الآرامية، التي ظلّ منها في العامية التونسية والجزائرية والمغربية مفردات وصيغ إلى يومنا هذا، والناس هناك لا يعلمون. قد يكون لذلك التوسّع الجغرافيّ أثر في تحوّل الأوزان الآرامية.

على المبدعين في الشعر التفعيلي يقع الملام، فثقافتهم العربية والعالمية، لا تقاس بثقافة الجاهليين، والأسوأ أنهم استبعدوا الأوزان المركّبة، فأهدروا ثروات إيقاعية طائلة، وبرهنوا على أن إبداعهم في الأشكال محدود. تفسير ذلك أن القدرات الموسيقية محدودة، فاشتغلوا على المضمون ضمن ستة بحور ذات تفعيلات موحّدة. هذه مسألة جوهريّة. في الموسيقى الجادّة العارفة، ليست المقامات ولا المادّة اللحنيّة هي كل شيء في بناء الإبداع، فأشكال السيمفونية والكونشيرتو والسوناتا، هي المميّزة للجنس الموسيقي. إبداع فنّ العمارة ليس مقادير الأسمنت والحديد والرمل والخشب، وإلاّ فما أيسر تشييد صروح مثل برج خليفة ومتحف دبي للمستقبل.

لم يفكّر مبدعونا، الذين أثْرَوا الشعر العربي بالروائع، في أن يسعدوا مسرح الذوق العربي بتناغمات وتوافقات وتجاوبات لا نهائية. أمثلة بسيطة: تفعيلة فعولن موجودة في المتقارب، الوافر، الطويل ومخلّع البسيط. تخيّل باليه الإيقاعات الذي يُصمّم رقصاته تعانق تلك الأوزان. تفعيلة فاعلاتن توجد في الرّمَل، الخفيف، المديد، المضارع والمجتث، تصور التنويعات اللانهائية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الانبعاثية: على الشعراء أن يُلمّوا بالإيقاعات موسيقيّاً، ليتخلّصوا من أوهام العروضيين، ويرتادوا فضاءات أرحب. من ظنّ تطوير الشعر لا يحتاج إلى بحث وتحقيق، فهو واهم. إبداع الكون كله قائم على العلم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/96rz56bc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"