عادي

ماذا بعد التقارب الكوري الشمالي- الروسي؟

23:42 مساء
قراءة 4 دقائق
بوتين وكيم

كتب - أحمد البشير:

بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانعزالية المكثفة التي فرضها على نفسه وسط جائحة فيروس كورونا، خرج الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لأول مرة منذ أربع سنوات، من حدود بلاده خلال الأسبوع الماضي. وتوجه إلى الشرق الأقصى الروسي، على نفس القطار المدرع الذي كان يفضله والده ذات يوم، وذلك للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

استقبل بوتين كيم بشكل غير رسمي متحدثاً باللغة الروسية، مظهراً معرفته بالزعيم الكوري الشمالي، الذي التقى به لأول مرة في عام 2019. ومن جانبه، أعلن كيم تأييد بلاده لروسيا في الحرب مع أوكرانيا.

وخلافاً لاجتماعات القمة النموذجية على مستوى القادة، اختار الاثنان عدم إصدار أي نوع من البيانات المشتركة التي تلمح إلى ما قد ناقشاه أو اتفقا عليه. ومع ذلك، فإن مشهد اجتماعهما، إلى جانب اللقاءات الدبلوماسية الأخرى رفيعة المستوى بين البلدين، كان أكثر وضوحاً.

مكان انعقاد القمة

ولم يكن اختيار مكان انعقاد قمة كيم- بوتين عبثياً، فبادئ ذي بدء، اختار الزعيمان الاجتماع في قاعدة «فوستوشني» الفضائية الروسية الجديدة نسبياً، وهي قاعدة مصممة لتقليل اعتماد موسكو على قاعدة «بايكونور» الفضائية في كازاخستان. وقال بوتين إن قرار اللقاء كان بمثابة اعتراف ب «اهتمام كيم الكبير بتكنولوجيا الصواريخ»، مشيراً إلى سعي الزعيم الكوري الشمالي إلى «تطوير قطاع الفضاء في بلاده، ولهذا السبب أتينا إلى قاعدة فوستوشني الفضائية»، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية الروسية.

وفي الواقع أن كوريا الشمالية تحاول تطوير برنامج فضائي ناضج، لكن كما تشير محاولتا لإطلاق القمر الصناعي الفاشلتان هذا العام، فإن هناك مجالاً كبيراً أمامها للنمو، ويمكن للمساعدة الروسية في مجال تكنولوجيا إطلاق الصواريخ أن تقطع شوطاً طويلاً في تعزيز طموحات التحديث العسكري لبيونغ يانغ، والتي تشمل تطوير أقمار الاستطلاع العسكرية.

زيارة مصانع الأسلحة

لكن هناك امتيازات أخرى تسعى بيونغ يانغ إلى الحصول عليها من خلال دعمها الكامل للمصالح الروسية. ففي أعقاب اجتماعه مع بوتين، واصل قطار كيم طريقه نحو «كومسومولسك أون أمور»، حيث زار مصنعاً ينتج طائرات مقاتلة من طراز «Su-35» و«Su-57» وهي أنظمة أكثر تقدماً بكثير من هياكل الطائرات القديمة المتوفرة حالياً لدى القوات الجوية الشعبية الكورية. وحتى في حالة عدم شراء مقاتلات جديدة، يمكن لكوريا الشمالية أن تستفيد من إمدادات ثابتة من قطع الغيار والمكونات لدعم أسطولها الحالي من الطائرات العسكرية ذات المنشأ السوفييتي، ما يحسن بشكل كبير من صلاحيتها للطيران وموثوقيتها.

ومن المرجح أن يسعى كيم أيضاً إلى الوصول إلى المواد الخام والمركبة التي يتم الحصول عليها من الموردين الروس والتي يمكن أن تعزز برامجه الصاروخية المحلية.

وتعتمد كوريا الشمالية منذ فترة طويلة على شبكات معينة للحصول على مواد مثل «كيفلار» وألياف الأراميد من روسيا لاستخدامها في صواريخها المتقدمة. وهذا التسهيل الروسي النشط لمثل هذه التحويلات، من شأنه أن يساعد على تحقيق طموحات بيونغ يانغ العسكرية.

مكاسب الاجتماع

ولم يذكر أي شيء عن مكاسب معينة لكوريا الشمالية خلال الاجتماع بين كيم وبوتين، مثل المساعدات الغذائية أو الاقتصادية أو المشاركة العسكرية والتكنولوجية، وهي الأشياء التي كان كيم يريدها، كما يقول المحللون.

وبدلاً من ذلك، يبدو أن التقدم الوحيد المعروف هو تلميح بوتين إلى أنه يمكن أن يساعد على تحقيق أهداف كيم المتعلقة بالفضاء والأقمار الصناعية.

وهذا هو السبب الملاحظ وراء اختيار مكان لقاء الزعيمين كما يقول المحللون؛ حيث قطع الزعيمان مسافات طويلة للوصول إلى محطة «فوستوشني» الواقعة على الجانب الآخر من البلاد بعيداً عن موسكو.

لكن المحللين يقولون إن انعقاد الاجتماع في هذا الموقع، قدّم رؤية مهمة لبوتين؛ إذ يمكن القول إن عرضه للمساعدة الفضائية يقع ضمن الحدود المقبولة لما يمكن أن تقدمه روسيا لكوريا الشمالية. وكما هو معروف، فقد فشلت بيونغ يانغ مرتين هذا العام في إطلاق قمر صناعي إلى الفضاء بغرض التجسس، ولا تزال التكنولوجيا التي تمتلكها متأخرة عن روسيا بعقود.

أما بالنسبة لموسكو، فإن المساعدة على وضع قمر صناعي في الفضاء حتى تتمكن كوريا الشمالية من مراقبة أعدائها يختلف كثيراً عن مساعدة الكرملين لبرنامج نووي وصاروخي محظور من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

العلاقات مع روسيا

وبالنسبة لكوريا الشمالية، فإن الرغبة في بناء علاقات أعمق مع روسيا تسبق جائحة «كوفيد» والحرب الروسية الأوكرانية. وعندما التقى كيم مع بوتين للمرة الأولى في أقصى الشرق الروسي في عام 2019، كان ذلك بعد وقت قصير من آخر قمة فاشلة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وفي وقت لاحق من ذلك العام، ألمح كيم إلى أنه سيتبع «طريقة جديدة» عندما يتعلق الأمر بالنهج الاستراتيجي لبلاده، ويبدو أن العلاقات الأفضل مع روسيا تشكل جزءاً من هذه الطريقة الجديدة.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن احتمال إقامة علاقات أوثق بين كيم وبوتين يشكل خبراً سيئاً، لكنه ليس خبراً مروعاً. وحتى لو لم يكن لدى بوتين وكيم سوى القليل من الاهتمام ببعضهما بعضاً، فإن كلا الزعيمين سيستمران بشكل مستقل في تشكيل تحدٍ خطرٍ لمصالح الولايات المتحدة.

وربما لن تكون أي نتيجة لهذه العلاقة أكثر أهمية من عواقبها على النهج الدبلوماسي القائم على الوضع الراهن في التعامل مع استمرار كوريا الشمالية في حيازة الأسلحة النووية.

وينبغي أن يؤدي هذا إلى إعادة التفكير الأكثر عمقاً في النهج الأمريكي العدائي تجاه كوريا الشمالية والذي تتبعه منذ عقود. وبينما تبدو آفاق الدبلوماسية قاتمة الآن، يجب على واشنطن أن تتذكر أن نهج المعاملات نفسه في إدارة علاقاتها الدبلوماسية مع القوى العظمى هو الذي دفع كيم ذات يوم إلى ركوب قطاره إلى هانوي للقاء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9tjz9m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"