غياب جمال اللغة في المناهج

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في دردشة عفوية، بلا منهاج ولا منهجية، في شأن اللغة العربية؟ سننطلق من نقطة لا ينتطح فيها روبوتان، ولا تتصادم فيها قوّتان عظميان، وهي أن أنظمة التعليم في العالم العربي لم تفشل في تدريس العربية، فكل ما في الأمر أنها أخفقت في حمل هذه الأمانة، والاضطلاع بهذه المسؤولية. ولا تسل عن مفاجآت مصير لغتنا إذا ظلت دار لقمان العربية على حالها بعد منتصف القرن، ولم يتحقق الارتباط الوثيق بين أجزاء منظومة التعليم والتنمية والعلوم والتقانة. عالم المستقبل بالغ الخطورة، لأن الدول التي ستهيمن في مقبل السنين تتزايد، ثم إن هذه البلدان، كالصين والهند والبرازيل، سرعة إيقاع أدائها بعيدة جدّاً من نموّ ناعس الطرف.
الأفكار العامّة التي سترد هنا، سبق أن طرحها القلم، الجديد طريقة التناول والاستنتاج. عسى أن تتسع صدور المشرفين على المناهج، لكن ما العمل وقد مرت عقود وتلك المؤسسات الحيوية تخرّج للعرب أناساً غير قادرين على امتلاك لغتهم؟ منذ سنين ونحن لا نملّ المُعاد: إن أهمّ ما يجب تدريسه في العربية، للأسف لا يُدرّس، ربّما لأن واضعي المناهج لا يعرفون كيف يجب أن يدرّس. وما يجب التقليل منه إلى الحدّ الأدنى الضروري، لا يُعمل به. الأوْلى بالتدريس هو الإحساس بجمال اللغة، والحد الأدنى الضروري هو مخازن القواعد. أيّها الحضرات، الجاحظ عاش قبل أكثر من ألف سنة، وقد أوصى «بعدم تدريس الصبيان من النحو أكثر ممّا يحتاجون إليه في حياتهم اليومية». ابن رشد ألّف قبل ثمانية قرون «الضروري في صناعة النحو»، فهل أنتم أحرص على حياة العربية من هؤلاء؟
 من الجنون أن نتّهم الأطفال الأبرياء بأنهم غير مؤهلين لامتلاك لسانهم، فيقيناً، تقع مسؤولية الإخفاق على المناهج. تأمّلوا هذا المشهد السينمائي. الزمان: قبل الإسلام. المكان: نجد والحجاز. بيئة ينشأ فيها الصغار وهم لا يعرفون حضانة ولا ابتدائية، لكن الإحساس بجمال العربية يُزهر في كل شبر وكل لحظة، فالشعراء هم وسائط الإعلام والإعلاميون، هم المؤسسات الثقافية والمثقفون والمكتبات، هم المفكرون والحكماء والتربويون، هم مراكز الفنون، ومصممو رقصات الكلمات. أطفال الجاهلية لم تطرق سمعهم مزعجات النحو والصرف، لكن أراجيح إيقاعات الشعر كانت تهدهد صباح مساء إحساسهم الغضّ بستة عشر وزناً. تلك هي مدرسة الإحساس بجمال اللغة. هل نتوهم أن الإحساس بجمالها يكون بتدويخ دماغ الطفل بثقل دم النحاة في صياغة القواعد؟ لا أحد يطلب استنساخ المشهد الجاهلي. عليكم تحقيق الغاية بما يحلو لكم، من خوارق العلوم والتقانات.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: لكي نجعل الناس يحسون بجمال العربية، يجب أن نعرف كيف نبرز جمالها، لا كيف ننفّرهم منها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/273mmtut

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"