في البنية الثقافيّة للهويّة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف ترى هذا السؤال الواخز الواكز؟ لماذا يُعرض العرب عن الاقتداء بأفضل ما في تراثهم؟ هل هم حقّاً بروائع ميراثهم مقتدون؟ دعا القلم مراراً إلى جمع عيون الإرث الثقافي في كتاب يكون مجمع المنارات للعقل العربي في الميادين العامّة والخاصة.

المثقف ذو النظر البعيد لا يأخذ التراث على علاته، حزمةً واحدةً. أهل الإدراك يعرفون أن الزمان حاطب ليل، يجمع الطيّب والخبيث والغث والسمين، ومع هذا لم يفكّر مثقفونا، المفكّرون بخاصّة، في بدائع ميراثنا، الذي لا يزال نابضاً بالحياة حاضراً ومستقبلاً، لتكون مصابيح تزيّن سماء العقل العربي، ويُهتدى بها في شعاب مسالك العصر، وصعاب تضاريس الحياة.

يستسهل القلم الأمور أحياناً، فيعجل بالقول: إن مناهج التربية والتعليم العربية لم تنشئ الدماغ على النقد والتحليل والاختبار والمقارنة، فكان على مرّ القرون وعاءً ومستودعاً. لكن، لا بأس بالنظر، فكم في شعوبنا أناس يحفظون آلاف الأبيات، من غير تدقيق في جمال الشكل، وقيمة المضمون. من ذلك أن أبا نواس، في بداية تفتّح قريحته، نصحوه بأن يحفظ عشرة آلاف بيت. تماماً مثلما يحدث في محطة البنزين: «من فضلك، املأ الخزّان». تأمّل شرّاح الدواوين القدامى، مثل البرقوقي ومن لفّ لفّه، يشرحون البيت كلمة كلمة، والأنكى أن يعربوه، ولكن لا يقولون أهو ذهب أم خردة، إن كان المعنى جوهرةً قيّمة أم سمّاً ناقعاً؟ أمّا إذا كان القائل هو المتنبي، فعلى المتلقي أن يملأ فمه ماء، أو يُلقمه أبو الطيّب حجراً.

الكتاب المقصود، يكون مصباح الليل والنهار، في أدمغة الكبار والصغار، نبراساً في دروب الحياة. لماذا يُعرض العرب عن الاقتداء في الأسرة والمناهج بالمقولة: «لا تعلّموا أولادكم ما عُلّمتم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم»؟ هذه قاعدة رائعة لأيّ تربية أسرية ونظام تعليم مستقبلي. كيف يُعقل وجود الأمّية في شعوب في دستورها: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»؟ كيف لا تشيد الدول صروح العلوم التطبيقية إذا كان في دستورها: «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق»؟ هل تريد تصوّفاً فيزيائيّاً؟ اسمع ابن عربي قبل حديث أينشتاين عن الزمكان (الزمان والمكان) بقرون: «الزمان مكان سائل، والمكان زمان متجمّد». تأمّل جوهر القوة الذاتية من ابن عربي: «كل سفينة لا تجيئها ريحها منها، فهي فقيرة». الأمّة العربية لا تستمّد قوتها من هويتها، لهذا هي فقيرة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: البنية الثقافية للهوية، تحتاج إلى تربية ثقافية وثقافة تربوية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ep9nsht

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"