كارثة ليبيا أكبر من الإعصار

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

الكوارث توحد الشعوب، والمآسي تجبر الإنسان على التخلي عن أنانيته ومطامعه وأحقاده، والكارثة التي تعرضت لها مدينة درنة الليبية ألغت الفوارق بين أهل الشرق والغرب، وأعادت توحيد الشعب الليبي بعد سنوات من التنابذ والاقتتال. أهل الغرب هبّوا لمساعدة منكوبي إعصار دانيال، بالتطوع والتبرع والدعم، وهو الموقف الذي لم يشأ السياسيون الليبيون استغلاله لصالح استعادة ليبيا، بل إن بعضهم حاول استغلال الكارثة والاتّجار بها أملاً في تحقيق مكاسب وهمية من ورائها، وهو ما دفع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي، إلى دعوة القادة في الشرق والغرب إلى الارتقاء إلى مستوى اللحظة، وأن يعملوا يداً بيد من أجل تجاوز آثار المأساة التي ضربت البلاد، معرباً عن أسفه لأن التنسيق بين المؤسسات في الشرق والغرب لم يكن على مستوى التضامن غير المسبوق الذي أبداه الليبيون من كل المناطق تجاه إخوانهم وأخواتهم في درنة وغيرها من مدن الشرق، التي اجتاحتها الفيضانات.

 باتيلي تحدث بصراحة قد يعتبرها البعض في غير وقتها، ولكنه الوقت المناسب للمكاشفة والمصارحة وخصوصاً أن هذه اللحظة في ليبيا لا تقتضي الاستغلال السياسي الذي دفع الشعب ثمنه من الفرقة والتشرذم على مدى 12 عاماً، وكارثة إعصار دانيال لم تكن سوى أحد الأثمان التي دفعها الليبيون للسنوات العجاف التي عاشوها تحت حكم من يتصارعون على  اختطاف ليبيا من أهلها، وما حدث في درنة من اقتلاع للمنازل واختفاء لأحياء وجرف للبشر والحجر إلى البحر ليس نتيجة الإعصار فحسب  بقدر ما هو نتيجة إهمال السلطة في ليبيا. 

ورثة القذافي في الحكم مشغولون بالتصارع على الاستئثار بالدولة ومواردها حتى لو استلزم ذلك هدم المعبد على من فيه، وكانت النتيجة دولتين في دولة، حكومتين وجيشين وعدة أجهزة أمنية، والكثير من الميليشيات والمرتزقة، لحماية وتأمين كبار المختطفِين لهذه المنطقة أو تلك، وهو ما يفرض التركيز على شراء أسلحة والاستعداد لمواجهات محتملة، والانصراف عن إصلاح التالف وبناء المتهالك والقيام بأعمال الصيانة الدورية للسدود والصهاريج وشبكات الكهرباء والمياه والطرق، والنتيجة انهيار السدود ليحدث الطوفان الأعظم، رغم أن عدداً من المؤسسات البحثية والعلمية بينها جامعات ليبية حذرت خلال السنوات الماضية من خطر تعرّض حوض وادي درنة لفيضانات كارثية، حال عدم إجراء الصيانات الدورية للسدود، مطالبة أيضاً بإيجاد وسيلة لزيادة الغطاء النباتي بحيث لا يكون ضعيفاً ولا يسمح للتربة بالانجراف.

   نسمع من وقت لآخر عن إعصار يضرب هذه الدولة أو تلك، ونتابع الإجراءات التي تتخذها دول مختلفة قبل وصول الإعصار إليها من خلال عمليات الإخلاء وطرق الوقاية المتنوعة، ولكننا لم نسمع ولم نتابع نتائج كارثية في أي دولة مثلما حدث في ليبيا، والسبب إهمال الطامعين والسلطويين والمتنازعين على الدولة والشعب.    

غياب التنسيق بشأن درنة بين طرفي الحكم في الشرق والغرب يؤكد أن خروج ليبيا من أزماتها لن يتحقق في المستقبل المنظور، وسيظل كل طرف يناور سياسياً حتى يظل محتفظاً بما لديه من مناطق وسلطات وموارد، وهو ما يضعف الأمل في التوافق بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي عقد بشأنها أكثر من مؤتمر وتحدد لها أكثر من موعد. المماطلة والفساد والمناكفات السياسية اغتالت درنة كما اغتالت أحلام الشعب الليبي في الاستقرار وفي اختيار حكامه بنفسه، ولا خروج لليبيا من أزماتها إلا بعد أن يرفع كبار الطامعين في خيراتها بالخارج الغطاء السياسي عن ممثليهم في الداخل.

   القيادة في بعض دولنا العربية ناطحت بإنجازاتها السماء وحلّقت بطموحات شعوبها في الفضاء، وفي دول أخرى هوت بطموحات شعوبها في أودية سحيقة وتركتهم للأعاصير والفيضانات تجرفهم، والبحار تبتلعهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vejv2kbv

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"