عادي

العدل بين الأبناء ضمان البرِّ والسلامة

23:29 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

كثير من الآباء والأمهات يميزون بين أبنائهم، فيفضلون بعضهم على بعض في العطايا والهِبات، بل في المشاعر الأبوية، وهذا السلوك يحرم الآباء والأمهات من بِر بعض أبنائهم، كما توجد غيرة غير حميدة بين الأبناء تظهر بوضوح في جرائم العنف المتكررة، وملفات الجرائم في عالمنا العربي تزخر بالعديد من جرائم العنف ضد الآباء الذين يميزون بعض أبنائهم على بعض، وضد الأشقاء الذين ميّزهم الآباء على بقية أشقائهم.

يؤكد د. محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن التمييز بين الأبناء ينتج عنه الكثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية لدى الأبناء، مثل الكذب والعدوانية والغيرة، وأن العدالة والمساواة بينهم هي بمثابة العلاج والوقاية من هذه السلوكات المضطربة، ويقول: يجب أن يساوي أولياء الأمور بين أبنائهم في العطايا والهبات والمشاعر الأبوية، حتى في مدح صفاتهم الحسنة، حيث إن لكل طفل ذكاءه الخاص، فمنهم من يتميز بالذكاء اللغوي، وآخر يتميز بالذكاء الاجتماعي، وثالث يتميز بالذكاء الوجداني، وعلى الآباء إدراك نقاط القوة لدى أبنائهم والمساواة بينهم في المدح لتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي لديهم، مؤكداً أن الآباء غير العادلين مسؤولون عن معظم مشكلات العقوق وجرائم العنف التي تحدث بين أبنائهم

ويضيف: لن تستقر أحوال أي أسرة يفتقد الأبناء فيها لعدالة الأب، فهو المسؤول الأول عن تحقيق العدل بين أفراد الأسرة، وهناك جرائم كثيرة تحدث في المجتمع نتيجة تمييز بعض الأبناء على بعض، جرائم تحدث ضد الآباء وضد الأشقاء، وهو واقع يكشف عن حجم مشكلة تمييز بعض الأبناء على بعض.. ولو بحثنا بشكل موضوعي وراء أسباب تنامى مشاعر الغيرة والحقد والحسد بين الأشقاء داخل كثير من الأسر، لوجدنا السبب أن آباء كثيرين لا يطبقون العدل بين أبنائهم، أو أمهات لم يستطعن إخفاء ميولهن القلبية تجاه بعض أبنائهن، أو بناتهن، وهؤلاء للأسف يغرسون بذلك مشاعر الغيرة والحقد والحسد بين أبنائهم، لتحل هذه المشاعر البغيضة محل مشاعر الأخوّة والمودة والرحمة، التي يجب أن تسود بين الأشقاء.. ولذلك يجب أن يستجيب كل الآباء لنداء الدين والفطرة السوية ويلتزموا العدل بين أبنائهم.

من هنا يُحمّل أستاذ الطب النفسي الشهير، الآباء والأمهات مسؤولية كثير من الجرائم الأسرية، حيث تجاهل هؤلاء الآباء والأمهات للعدل الذي نادى به الإسلام بين الأبناء، وميزوا بعضهم على بعض، وأغدقوا على بعض الأبناء دون البعض الآخر بالعطايا والهبات بل إن بعض الأسر تميز بعض الأبناء على بعض في الطعام والشراب واللباس، وغير ذلك من مقومات الحياة، التي ينبغي أن يتساوى فيها الجميع.

أمر إلهي ومطلب أسرى

يؤكد د. محمد الضويني أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر، أن العدل بين الأبناء قررته الشريعة الإسلامية، وهو حق للأبناء على آبائهم والتجاوز فيه يجلب للآباء غضب الله وعقابه، والشريعة ترفض تمييز ذكر على أنثى، وتدين كل سلوك يهدر حقوق الإناث.

ويضيف: من أبرز حقوق الأبناء التسوية بينهم، فالله سبحانه وتعالى قد أمر بالتسوية بين الأبناء في كل شيء، ابتداء من النفقة عليهم، ورعايتهم صحياً وبدنياً واجتماعياً، وتوفير فرص التعلم والتثقيف لهم حتى في الابتسامة والمشاعر.

ويوضح د. الضويني أن الإسلام بتقرير هذه المساواة يؤكد أنه دين عدل وإنصاف، فهم جميعاً أولادنا، ولا يوجد ما يبرر تمييز ولد على آخر، وهذه التسوية- فضلاً عن أنها أمر إلهي- هي وسيلة لتحقيق الاستقرار النفسي للأولاد وللأسرة، فهي تعمق من مشاعر المحبة بين الأولاد، وتضاعف من محبتهم للوالدين والبّر بهما، والإحسان إليهما، وينعكس أثر ذلك على علاقاتهم بكل أفراد المجتمع، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح: «من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهِنها ولم يؤثر ولده يعني الذكور عليها أدخله الله الجنة»، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «من كانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة»، وفي رواية: «.. فأدبهن وأحسن إليهن وزوّجهن فله الجنة»، كما أن هناك الكثير من التوجيهات النبوية الكريمة التي تحث الآباء على إكرام البنات ومنحهن كل حقوقهن وعدم تمييز الذكور عليهن.

والشكل الثاني للتمييز المرفوض شرعاً هو تمييز ولد على ولد، أو بنت على بنت، وهو سلوك مدان شرعاً، ولا يوجد ما يبرره إلا في ظروف معينة تستوجب هذا التمييز، وهي ظروف إنسانية يقدرها الإسلام، ويقرّها كل ذي عقل سليم.

رفض وتحذير

يوضح د. عبدالله مبروك النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون في الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإسلام يرفض تمييز الآباء والأمهات لبعض أبنائهم على بعض، ويحذر من التمادي في هذا السلوك المفسد للعلاقة بين الأشقاء.. ويقول: الإسلام يأمر بالعدل، ويرغّب الوالدين في العدل بين أبنائهما ليدوم الحب والود والبر بين الأبناء، من جانب، وبين الآباء والأمهات وأبنائهم من جانب آخر، ولذلك يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «اعدلوا بين أبنائكم ولو في القبل»، وقد قال العلماء إن العدل بين الأبناء واجب ليدوم الاستقرار العائلي، ويتحقق الأمن والأمان بين كل أفراد الأسرة.

وعن تأثر بعض الآباء والأمهات في ما يصدر عن أبنائهم يقول د. النجار: يجب على الأب أن يكون متسامحاً مع أبنائه، وإذا وجد الأب أحد الأبناء عاقاً له فلا يجوز شرعاً أن يقابل الأب عقوقه بعقوق مثله، بل يقابله بالتسامح والعفو والعدل والمساواة مع أشقائه ليكون قدوة طيبة لأبنائه، ولعل هذا التسامح من الأب يكون سبباً في استحياء الابن، ومراجعته لنفسه، وإحسان التعامل مع الأب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ymphej5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"