شروط بلوغ الترف العلمي

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف نسي القلم أمس، وهو يتحدث عن الترف العلميّ، بقية العنوان، وهي أنه يصنع الفارق؟ لكن الاعتذار عن هذه الهفوة التحريريّة، يستوجب تمهيداً ضروريّاً يتمثل في الأسباب التي تؤدي إلى مفاقمة الفوارق. التنمية المتعثرة، غير الشاملة، لا تستطيع حتى التفكير في الاستثمار في العلوم. مثل هذا الخيال أو الحلم يشبه من تروقه الأبراج الشامخة، فيتصوّر أن في إمكانه تشييد برج ابتداءً من الطابق المئة فنازلاً، أو أن يظلّ معلّقاً كمصير جلّ العالم العربي.

ما فات التنميات المتعثرة أن تفعله منذ عشرات السنين، هو وضع حجر الأساس الذي يقوم عليه البنيان العلمي. لقد كان تطوير مناهج التربية والتعليم أيسر مئة مرّة قبل خمسين سنة. في نصف القرن الأخير، شهدت العلوم والتقانة تحوّلات جعلت البحث العلمي والتجارب العلمية أظمأ إلى الميزانيات الكبيرة. الاستثمار في العلوم ومجالات التكنولوجيا، يتطلب سلسلة من الاستثمارات التي يجب أن تكون سابقة على ذلك. التنمية الشاملة تقوم على بنية اقتصادية عناصرها متكاملة مترابطة متلازمة. لا يمكن لبلد إقامة نظام تعليمي سليم ناجح، إذا لم يبادر أوّلاً إلى تأمين الغذاء والصحة. هذه استثمارات بنيوية لها كل الأولوية. عالم الاجتماع جاك بيرك يقول: «لا وجود لشعوب متخلّفة، ولكن ثمة شعوب سيّئة التغذية». يبدو أن مقولته إعادة صياغة للمثل الفرنسي: «لنأكل أوّلاً، ثم فلنتفلسف».

حلقات التنمية تلوح عند التبسيط التسطيحي منفصلةً، في حين أنها كحبّات العِقد التي تنتظم في سلك واحد. البحث العلمي يحتاج إلى بيئة تحتضنه وتغذّيه. المناهج المتطوّرة تغذّيه بإعداد الأدمغة المتألقة، وميادين اقتصادية، صناعية، زراعية، تقانية، تستقبل بحوثه ودراساته وتجاربه التطبيقية ومخرجاتها، إلى أن يُسفر النشوء عن الارتقاء إلى قمم إنتاج العلوم. هنا تبرز صناعة الفارق، التي لا تُبلغ إلاّ بمسلسل استثمارات لا يمكن الفصل بين حلقاته. ذلك الفارق هو الفجوة التنموية، التي هي في الحقيقة فجوة حضارية ومسافات هائلة بين مستويات المدنيّة. التنمية المتعثرة لا تستطيع أن تستوعب الدوافع التي جعلت الدول الأوروبية تؤسس «المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية»، بمليارات اليوروات، لكي تعمل بفضل «مُصادم الهدرونات الكبير» على محاكاة الطاقة التي انبثقت عن الانفجار الكبير، ولكن بما يشبه الفارق بين عزم البعوضة قياساً على قطار فائق السرعة. التراجيكوميديا هي أن أحلام أصحاب جزر الخيال تحلّق في فضاءات لا تخلو من الترف والبطر، فهم يُقسّمون الحضارة إلى ثلاثة مستويات، الأول: التحكم في طاقات الأرض، والثاني: السيطرة على طاقات المنظومة الشمسية، والأخيرة: طاقات المجرّة

لزوم ما يلزم: النتيجة الخياليّة: التنافس الخفي، اليوم وغداً، بين الدول المتقدمة، هو تنافس في الفيزياء. الباقي كله تفاصيل. لكنه صراع لا ترف فيه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/zt3y7cvs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"