النظام الدولي.. والشرق الأوسط

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

هل يتقرر مصير النظام الدولي في الشرق الأوسط؟ هذا السؤال يطرح نفسه على اللاعبين الكبار الدوليين المنخرطين في الحرب الأوكرانية.

بقوة تداعيات ورسائل حرب غزة يتبدى في هذه اللحظة تغييراً جوهرياً على سلم الأولويات وحسابات المصالح والاستراتيجيات الدولية المتصادمة.

أرسلت الولايات المتحدة إلى شرق المتوسط بالقرب من إسرائيل حاملتي الطائرات، «جيرالد فورد» و«إيزنهاور»، وسفناً حربية، وألفي جندي مارينز، على أهبة التأهب للانتشار، وفي الوقت نفسه، أرسلت بريطانيا بوارج حربية إلى المكان نفسه.

تدفق رؤساء دول، ووزراء خارجية ودفاع المنظومة الغربية، إلى تل أبيب على نحو يكاد يشبه في أجوائه وتفاصيله ما يحدث مع أوكرانيا.

في الحالة الأوكرانية، فإن العدو الروسي قوة عظمى نووية، ولديه ترسانات سلاح وتحالفات استراتيجية واقتصادية تمكّنه من التحدي والصمود.

وفي الحالة الإسرائيلية، فإن العدو الرئيسي فصيل فلسطيني مسلح يتمركز في منطقة ضيقة جغرافياً، ومكتظة بالسكان، وأوضاعه الاقتصادية خانقة تحت الحصار. المقاربة تنطوي على مفارقة كبرى غير قابلة للتصديق، لكنها حاضرة، ولا يمكن نفيها.

في كييف تطرح التساؤلات القلقة نفسها على الحلفاء الغربيين، عما إذا كان ممكناً حسم المعارك بأي مدى منظور؟ وفي غزة يصعب توقع ما قد يحدث في اليوم التالي لانتهاء المواجهات العسكرية.

وباسم دعم إسرائيل وحقها في الدفاع عن أمنها، هرع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ووزيرا خارجيته ودفاعه، وقائد القيادة العسكرية المركزية لزيارة تل أبيب. الحسم في غزة قد يبدو سهلاً نظرياً، على الولايات المتحدة، لتأكيد قيادتها في عالم يتغير، لكن رمال الشرق الأوسط المتحركة، كما هي العادة، قد تغرق أية رهانات على مثل هذا الحسم.

التدخل البري الإسرائيلي باهظ الكلفة، والعالم العربي غاضب، والتظاهرات والاحتجاجات الشعبية تتصاعد في عواصمه، وجنباته، وسيناريو التهجير القسري من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الضفة الأخرى في الأردن، يكاد يكون دعوة لحرب إقليمية واسعة

مشكلة السياسة الأمريكية انسداد أي أفق سياسي، وغياب أية نظرة تتجاوز القوة المجردة، والدعم المطلق للحليف الإسرائيلي. المشكلة نفسها تتبدى في الحرب الأوكرانية. لا توجد أية آفاق سياسية لإنهاء الصراع الدامي على أراضيها.

طرفا المواجهة العسكرية روسيا من جهة، وأمريكا وحلف «الناتو» من جهة أخرى، يدركان أن الحرب في جوهرها تعبير عن صراع محتدم على مستقبل النظام الدولي، وأن أوكرانيا مجرد ميدان اختبار بالسلاح لحقائق القوة. الأوضاع تختلف في غزة، لكن الاختبار نفسه حاضر بقوة.

لا توجد حتى الآن أية مقاربة غربية لوقف التصعيد لإتاحة الوقت أمام الجيش الإسرائيلي للحسم الميداني، رغم الخسائر الفادحة في صفوف أهالي غزة الذين يتعرضون لإبادة جماعية.

ولا يوجد لموسكو حضور سياسي فاعل ومؤثر على ساحات القتال، لكنها بدأت تجري اتصالات مع الأطراف الإقليمية الفاعلة لمحاولة بناء تصور سياسي على أساس القرارات الدولية. وبعد وقت، أو آخر، سوف تجد موسكو نفسها مدعوة للدخول إلى مسارح الصراع على مستقبل القضية الفلسطينية. والحضور الصيني بدوره خافت، لكنه يتحسس مواضع أقدامه في منطقة ملغومة بالحسابات المتصادمة.

وبصورة أو أخرى، فإن الحقائق سوف تداهم الأطراف الدولية المنخرطة في الحرب الأوكرانية، وإن مستقبل الصراع على قيادة النظام الدولي في عالم يتغير، ربما يتحدد في الشرق الأوسط، أكثر أقاليمه اشتعالاً بالأزمات.

ولا يمكن لأية سياسة أمريكية، أو غير أمريكية، إنكار عدالة القضية الفلسطينية وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه.

وبتداعيات حرب غزة، ارتفعت أصوات داخل الولايات المتحدة ترفض الانحياز المطلق لإسرائيل، وجرت استقالات احتجاجية لبعض كبار الموظفين والدبلوماسيين.

وكان لافتاً، التظاهرات الصاخبة أمام مبنى الكونغرس الأمريكي لجمعية «أصوات يهودية من أجل السلام»، مطالبة بوقف الحرب على القطاع المحاصر. وحركة «حياة السود مهمة»، الأمريكية التي تناهض التفرقة العنصرية، تعلن دعمها للفلسطينيين، فحياتهم أيضاً مهمة.

في الحرب الأوكرانية لم ينجح التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، رغم إمدادات السلاح المتقدم وتعبئة كل الموارد والإمكانات، في إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا تجهض أية أدوار قيادية مستقبلية تتطلع إليها.

وأخطر النتائج والتداعيات، التي قد تترتب على حرب غزة، رفع منسوب خطاب الكراهية والعنف في المجتمعات الأوروبية، وداخل أمريكا.

ربما يولد النظام الدولي الجديد فوق بحيرات دم في أوكرانيا والشرق الأوسط.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzkm254

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"