إنقاذ العلوم من الغرائز

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: هل لديك «ضربة معلّم» في المناهج تدفع أنظمة التربية والتعليم دفعاً يحرّرها من جاذبية التقاليد التربوية البالية؟ قال: هذا مطلب عزيز المنال، ولكنّ لديّ حلماً سيكون عسير الهضم على أذهان المتشّبثين بالماضي، وفي الآن نفسه على الذين إذا فكروا في التجديد ألغوا الماضي من حساباتهم وكأن المستقبل يمكن أن يكون بلا جذور.

قلت: وما ذاك؟ فأنا ضالّتي العثور على ما يمكن أن ينتشل البشر من درك الهبوط والسقوط ويرفع الآدميّ إلى مرتبة الإنسان. حقّاً إنه لا يملك مؤهلات خلافة الله في الأرض، فهو «يُفسد فيها ويسفك الدماء»، بينما الكائنات كلّها تسبّح بحمد الله وتقدّسه «والنجم والشجر يسجدان». قال: العلة الكبرى تكمن في أن الآدميين يمرّغون أنوف العلوم في التراب، يسيئون استغلالها، يجعلونها خادمةً مستعبدةً للغرائز الحيوانية. هذه الأدمغة غيرُ السويّة تفكر بأنيابها ومخالبها لا بقواها الروحية. هي لا تعلم أن خلافة الله في الأرض تتنافى جملةً وتفصيلاً مع خيانة الأمانة. العلم والقدرة أمانتان ووديعتان. من الطاقة النووية خلق الخالق الخلاّق كل الكون وكل الحياة بالفيزياء التي أنجبت الكيمياء التي أنجبت الأحياء، فأيّ خيانة أن يجعلها من يدّعي حمل المسؤولية على كوكبنا أداة دمار وفناء!

قلت: حسناً، لكنك لم تفصح عن المكنون، فما الذي تستطيع المناهج أن تفعله وهي لا تقوى على مواجهة الأساطيل والترسانات النووية التي لديها ما يمكن أن يبيد الأرض ألف مرّة، كأن لم تُعمر من قبل؟ قال: أحلم بألاّ تُدرّس العلوم إلاّ وهي في كنف التصوف والعرفان، كأنك أمام منظومة من العلوم المتعدّدة التخصّصات. إذا كان الغرب يصوّر نفسه للناس كأعظم مظهر لتقدم العلوم فبئس ما توهّم المتوهمون. لقد انتهى المطاف به إلى الإفلاس أخلاقيّاً وضميريّاً وإنسانيّاً. إذا وضعت حمَلاً وديعاً، أو طفلاً رضيعاً أمام أسد أو تمساح أو سمكة قرش، فإنه سيصير لقمةً في لمح البصر، لكن إذا فغرت جهنمُ القوة المدمرة فاها للعزّل الأبرياء، فإنها ستكون اللقّامة اللهّامة للآلاف قائلةً هل من مزيد؟ ما قيمة الحضارة المزعومة التي تصنع لقاحاً يطيح نظام الحمض النووي لدى مئات الملايين من النفوس المخدوعة بالأكاذيب المقنّعة بالحضارة؟ ما قيمة الحضارة التي تبيد ملايين أطنان الحبوب وتحرق ملايين الخراف حيّةً لمنع هبوط أسعار الحبوب واللحوم؟ ما قيمة الحضارة التي ترى البلدان مساحات وجودُ شعوبها يُقلق راحة نهمها الجيوسياسي؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: العرفان الصوفي هو ملهم العلوم الفيزيائية، فالفيزيائيون هم ورثة المتصوفين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2jpr4j8a

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"