هناك معضلة يعانيها بعض الناس، وتكمن في أنهم دائمو النظر نحو الماضي، ولا يركزون على حاضرهم. هم مشغولون بما حدث في ذلك الماضي، يعيدون شريط الذكريات ولا يتوقفون، ثم يحللون كل موقف، وكل حدث مروا به، ويتأسفون على ردات فعلهم أو يندمون على الذي قاموا به. ولو أننا أمعنا النظر، فإنهم لا يستطيعون لا من قريب ولا من بعيد تغيير شيء وقع وانتهى، وكل ما عليهم هو أخذ الدروس والعبر، وتجنب الأخطاء وتعزيز الإيجابيات، هذا كل ما في الأمر، أما أن نجعل من الذكريات ناقوساً يدق للتعذيب، وإخراجنا من الحاضر، وعدم الاهتمام بوقتنا، فهذا دون شك خطأ فادح.
من جانب آخر نجد فئة من الناس يتحدثون عن المستقبل، وأنهم مهمومون بهذا المستقبل، بينما تجد واقعهم مفلساً، حاضرهم غير ثري، ولا توجد فيه فاعلية، ولا تطوير ولا معلومات ولا معرفة، ومع هذا تسمعهم يتحدثون عن المستقبل، ولا تفهم كيف سيكون مستقبلهم في ظل كل هذه السلبية التي يعيشونها، وفي ظل واقعهم المتعثر.
بكل تأكيد سيكون مستقبلهم طبقاً لواقعهم الحالي؛ لأنهم لم ينتجوا ولم يطوروا، ولم يركزوا على البناء، ولا على زيادة مهاراتهم وقدراتهم.
وكلا الاثنين، سواء من يجتر الماضي ويعيد تذكره والتحسر عليه، أو من يتطلع نحو المستقبل، دون عزيمة، دون معرفة، دون علم، دون تطوير لذاته، متورط في حالة من الإفلاس، من التراجع، وهو واقع يعيشه في حاضره، فلا تجد لديه أي عزيمة للبدء في عملية تغيير حقيقية، تستهدف أولاً تغيير واقعه الحالي، تغيير حاضره، ونظرته نحو الماضي، فهو ليس وعاء للعودة له، للتباكي والتحسر، بقدر ما أنه كنز من الخبرات والمعلومات، يجب أن نركز عليه للاستفادة منه. أما المستقبل فيتطلب فهم كيف نستطيع تحقيق التطور، وزيادة علومنا ومعارفنا ومهاراتنا، حتى نكون على قدر التحدي، ولنتذكر أن الغد هو المستقبل. الدقيقة التي لم تحن، هي المستقبل.
وبقي أن نفهم أن الزمن متصل ومتشابك ومترابط. والمهم أن نركز على قدراتنا ومهاراتنا، وتطويرها، فلن يفيدنا البكاء على الماضي، ولا تمني عودته، ولن يفيدنا الحديث عن المستقبل والكتابة عنه، إذا لم تكن هناك معرفة وعلم ومعلومات، هي عمادنا وقوتنا في المستقبل القريب.
