إعلاميون في قلب النار

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

الثمن غال جداً، والمهمة صعبة جداً؛ في الحروب يصبح الإعلامي جندياً مدنياً، سلاحه الكاميرا، والصوت، والصورة، والقلمز يخرج إلى الشوارع وخطوط النار، بينما الكل يختبئ من نيران القتال، يحاول أن ينقل الصورة كما هي، لكنه يتحول أحياناً إلى جزء منها، ويصبح ناقل الحدث هو الحدث والخبر.

الإعلامي جندي مدني، لماذا يخاطر بحياته؟ وهل يستحق «الخبر» هذه المجازفة؟ كل من اختار الإعلام عن قناعة تامة ومعرفة بأنها «مهنة البحث عن المتاعب»، لا لأنها مهنة الشهرة والأضواء وال«شو» ورصّ الكلام من على كرسي داخل استوديو مكيّف، ينزل إلى الميدان بشغف، وسلاحه الوحيد الكلمة، والصوت، والصورة، وهنا أيضاً نتكلم عن الإعلامي الباحث عن الحقيقة، لا الإعلامي المزيّف للحقيقة، كما شاهدنا خلال حرب غزة، وخلال الكثير من الحروب حول العالم، حيث يختلق البعض أحداثاً غير واقعية، خدمة وانحيازاً لأطراف سياسية.

كل حرب يسقط فيها من الإعلاميين شهداء، شهداء المهنة، في أي بقعة من العالم كانوا، فإذا كان هدفهم العمل المهني الميداني فهم يؤدون الواجب ويدفعون الثمن، ولعلنا نستشهد بآخر من دفعوا الثمن هم الإعلاميون الذين استشهدوا في قطاع غزة، وقد بلغ عددهم منذ اندلاع الحرب في السابع من الشهر الجاري ٢١ صحفياً، فضلاً عن الثمن الذي دفعه المراسل وائل الدحدوح، وهو يرى زوجته وابنه وابنته وحفيده الرضيع بين الضحايا.. وفي كل الحروب تجد من الإعلاميين من أصيبوا، أو اعتقلوا أثناء ممارسة المهنة.

الإعلامي شاهد حي على ما تفعله الصراعات، السياسية والعسكرية، في كل بقاع الأرض، شاهد على الدمار، وعلى أحوال المدنيين الأبرياء الذين يتم تهجيرهم وتشريدهم، والباحثين عن مكان آمن، وعن طعام وماء.. وما نراه على الشاشات العربية والعالمية طوال حرب غزة يجعل الجمهور أيضاً شاهداً على حقائق لا يمكن إغفالها، أو نكرانها، أو تزييفها.

لا شك في أن التوجهات السياسية تفرض انحيازاً معيناً على قنوات وفق مصالح أصحابها، لكن الصورة تجد طريقها إلى العلن لتقول ما يجب قوله، بغضّ النظر عن الكلام المرفق بها، بل قد لا تحتاج إلى كلام وشرح وتفصيل، لذلك لم يعد بإمكان أحد إخفاء الحقائق الملموسة على الأرض، فالصورة لم تعد حكراً على الإعلاميين، بل تجد طريقها إلينا بطرق مختلفة، والكل يشارك في إعادة توزيعها ونشرها آلاف، بل ملايين المرات، والتعليق عليها، والتفاعل معها.

الشاشة تنهض، وتنفض عنها غبار الكسل وروتين ورتابة البرامج المعلّبة، والحوارات الفارغة داخل الاستوديوهات، وعبر أثير الهواتف والاتصالات المباشرة، تنتفض مع اندلاع الحروب، تنشط حركة الإعلاميين من قلب الحدث، لكنهم أحياناً يدفعون الثمن، فيصيرون هم الحدث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/44ryj548

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"