الحرب تُنتج حروباً

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

ليست معركة واحدة ولكنها معارك متعددة، هكذا هي الحروب الحديثة، فظاهرها عسكري ولكن باطنها متعدد الأشكال والألوان. بمجرد أن تندلع حرب عسكرية تخرج من رحمها حروب مختلفة، دبلوماسية وإعلامية واقتصادية ورياضية وفنية وثقافية وغير ذلك، وهو ما حدث عقب اندلاع الحرب الروسية الغربية على أرض أوكرانيا، والتي كانت كما الزلزال الذي أفرز توابع لا تقل عنه حدة.

وإذا كانت الحرب العسكرية تدور معاركها في أوكرانيا، فإن الحرب الاقتصادية الناجمة عنها ألقت بظلالها على حياة البشر في مختلف أرجاء المعمورة، والحرب السيبرانية نقلت ما يحدث هناك إلى كل إنسان يحمل في يده هاتفاً محمولاً، والحرب الإعلامية خاضتها محطات التلفزة البعيدة والقريبة من أطراف الصراع، فلم تعد للمسافات قيمة، فأي حرب في أي من أقاليم الدنيا تصيب شظاياها الاقتصادية والسياسية كل الكوكب. الأمر يتكرر في الحرب على غزة والتي لا تقل تعقيداً عن الحرب في أوكرانيا، العالم منقسم بشأنها، دول وشعوب تتبنى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر واستمرار حربها على غزة حتى «القضاء على حماس» ولا يلفتها الإفراط في استخدام القوة ضد المدنيين وتؤيد مطالبتها بتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، ودول وشعوب تسعى للتهدئة وترفض سياسة عقاب المدنيين الفلسطينيين. الانقسام الدولي فرض على العالم حروباً تجاوزت الطرفين المتصارعين وامتدت إلى جهات الأرض الأربع، تتصدرها حرب دبلوماسية، تتفاقم يوماً بعد الآخر بعد أن تشبث كل من المؤيدين لهذا الطرف وذاك بوجهة نظره، مفاوضات ومحادثات هنا وهناك ولكنها لا تجدي نفعاً، لقاءات وجلسات في مجلس الأمن وحوارات بين مختلف الأطراف، ولكن بلا نتيجة، لا أحد يستمع لأحد. المدافعون عن إسرائيل لا يتزحزحون عن مواقفهم، ولا تعنيهم مشاهد قتل الأطفال وعدم الالتزام بالقانون الدولي الإنساني. والمدافعون عن حماس لا يقبلون بإدانة هجومها المباغت على إسرائيل، وأمام هذا التعنت يواصل الحريصون على تحقيق السلام العادل وعلى أمن واستقرار الإقليم والعالم جهودهم أملاً في أن تنجح الدبلوماسية في تحقيق اختراق يوقف التصعيد ويحد من أعداد الضحايا المدنيين وينهي معاناة أهل غزة الذين تحاصرهم الآلة العسكرية والجوع والعطش والخوف والألم وفقدان أدنى مستلزمات الحياة الإنسانية، بعد أن عجزت الدبلوماسية العالمية عن انتزاع موافقة إسرائيلية على تدفق مستدام للمساعدات التي تملأ الشاحنات المتراصة أمام معبر رفح المصري وتملأ المخازن في مدينة العريش. الحرب الدبلوماسية لم تنج من شظاياها الأمم المتحدة التي قررت إسرائيل حرمان موظفيها من تأشيرات زيارتها بسبب تصريحات أمينها العام، أنطونيو جوتيريش، المنددة بانتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. أما الحرب الإعلامية بين الطرفين والمؤيدين لكليهما، فتستخدم فيها جميع أسلحة الإقناع وأيضاً أسلحة التضليل والتزييف، ووصل الانحياز الاعلامي إلى تجنب بعض محطات التلفزة العالمية عرض الصورة كاملة والاكتفاء بما يدعم توجهاتها، بل وفصل العاملين فيها الذين يتجاوزون التعليمات بالتعبير عن التعاطف مع الضحايا المدنيين، وهو ما ينال من مصداقية الإعلام المرئي. الحرب الإعلامية وصلت إلى القمة بعد المؤتمر الصحفي الذي عقدته معتقلة إسرائيلية مفرج عنها قالت خلاله ما يخالف رؤية تل أبيب، وهو ما تم اعتباره صيداً ثميناً في بعض المحطات، وسقوطاً كبيراً في محطات أخرى. مواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى تشهد حرباً بين مؤيدي الطرفين، بأخبار ومواقف وصور وأكاذيب تنتصر لهذا أو ذاك، وحرب بين منصات والمشتركين فيها بعد أن تدخلت إدارة تلك المنصات بحذف وحجب منشورات لا تتوافق وسياساتها المنحازة.

الحرب.. حروب، والأزمة ستظل مشتعلة حتى تنتصر لغة الحكمة ويدرك العالم أن العنف ينجب عنفاً مضاعفاً، وأن السلام لن يتحقق سوى بحل الدولتين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wza6kjr

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"