ألغاز ماكرون

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

ربما تكون فرنسا الدولة الوحيدة في العالم التي تأرجحت مواقفها بين الأمر وعكسه تجاه ما يحدث في غزة في أيام قليلة.

وإن كنا نحمد في ذلك للرئيس الفرنسي اعترافه ببعض الحق الفلسطيني أو رفضه لتصرفاتٍ إسرائيلية، إلا أن كثيرين يرون في تقلب المواقف استمراراً لما يعتبرونه فشلاً للرئيس الفرنسي في التعاطي مع الملفات الخارجية.

وهؤلاء لا يفصلون بين الارتباك الذي شاب مواقف ماكرون من موضوع غزة، وما يصفونه بإخفاقاته في القارة الإفريقية التي أفقدت فرنسا نفوذها التاريخي في غير بلد فيها بعد انقلابات تداعت في فترة قصيرة ووقفت في وجه الوجود الفرنسي موقف العدو المصر على إنهائه.

في ملف غزة، بدا لكثيرين أن الرئيس الفرنسي تعامل مع بدايات الحرب بشكل أكثر تطرفاً من طرف مباشر فيه هو إسرائيل، ومن الداعم الأكبر لها، أي الولايات المتحدة، حين ذهب مباشرة إلى اقتراح توسيع نطاق التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق وسوريا ليشمل أيضاً القتال ضد حركة «حماس».

ربما كان ماكرون يعتقد أنه بهذا الاقتراح يسترضي، من قلب تل أبيب، أمريكا وإسرائيل واثقاً بانتصارها السريع على «حماس»، لكنه بدأ يفقد حماسه لهذه المقاربة كلما ابتعد عن دائرة التأثير الإسرائيلي، سواء بلقائه رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله، أو ملك الأردن في عمّان، أو الرئيس المصري في القاهرة.

المؤكد أنه سمع في محطات رحلته ما ساعده على تكوين صورة أشمل عن الصراع وتداعياته، فبدأت لهجته تخف في كل محطة، خاصة أن اقتراحه جوبه بانتقادات في المنطقة خاصة أنه خدم إصرار الإعلام الأمريكي والإسرائيلي وقتها على الربط المباشر بين «داعش» و«حماس».

المزعج أكثر لماكرون الانتقادات التي قابلته في فرنسا نفسها، فبعض أحزاب المعارضة الفرنسية رأى في الاقتراح سقوطاً وإضراراً بمصالح البلاد وعدم وعي بتغير الظروف السياسية. ووصف صوت آخر الاقتراح بنهج دبلوماسي كارثي.

ربما كانت هذه المعارضات الخارجية والداخلية وراء التحول المفاجئ لماكرون بدعوته إلى مؤتمر سلام احتضنته بلاده ودعوته خلاله إلى إقرار هدنة إنسانية يعقبها وقف شامل لإطلاق النار.

ورغم ذلك، لم يسلم الرئيس الفرنسي من الانتقاد لتأخره كثيراً في الدعوة إلى المؤتمر وعدم جدواه بعد سقوط آلاف الضحايا.

الارتباك الفرنسي ليس قاصراً على الرئيس، فتباين القوى السياسية الفرنسية حول موضوع غزة ينتج كثيراً من التباينات كانتقاد لرد الفعل الإسرائيلي، وتجريم للتعاطف مع «حماس» والهجوم على مشاهير تعاطفوا مع الضحايا الفلسطينيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38mb4wyw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"