عادي
يستند إلى قصة حقيقية تكشف فساد شركات الدواء

«تجّارالألم».. معالجة بلا حيوية لقضية شائكة

23:37 مساء
قراءة 5 دقائق
كريس وإميلي يتوسطهما جارسيا

مارلين سلوم

تخطئ إذا حكمت على «تجار الألم»، أو «باين هاسلرز»، من المشهد الأول، ومن مقدمته التي تعتبر مجرد تمهيد للقصة، ليس أكثر، فالفيلم يأخذك إلى قضية مهمة جداً، وشائكة، ونادراً ما يتم التطرق إليها في السينما الأمريكية، بل والعالمية؛ فما بالك وأن القصة مأخوذة عن مقالة نشرها إيفان هيوز، في جريدة «نيويورك تايمز»، وأصدرها في كتاب يحمل الاسم نفسه، والأهم أنه يستند إلى قصة حقيقية عن شركات أدوية تتاجر بآلام الناس، وتبيعهم الوهم فيدفعون حياتهم ثمناً. القضية مثيرة، والعمل يستحق المشاهدة، وإن افتقد بعض العناصر الحيوية والمهمة.

المخرج دايفيد يتس، اختار عملاً يلامسنا، بل ويخيفنا، فمن منا لم يتردد يوماً في تناول دواء ما خشية من آثاره الجانبية؟ ومن منا لم يتعرض لموقف شعر فيه كأن الطبيب يروّج لدواء محدد، ويكثر من وصفه لكل من يزوره في عيادته شاكياً من أي ألم؟ وكم مرة سمعنا من يردد أن هذا العقار غير نافع ومشكوك في أمره، ويتم بيعه في الصيدليات قبل التأكد من كل أعراضه الجانبية، والأضرار التي قد يتسبب بها للمريض؟ لذلك يعتبر «تجار الألم» فيلماً حيوياً ومهماً، لكونه يتناول قصة وفضيحة شركة الأدوية «إنسيس» التي أسسها جون كابور (يجسده هنا النجم آندي جارسيا)، وأحيل هو وفريق عمله إلى القضاء، بعدما تبين استغلالهم للمرضى وللأطباء، على حد سواء، من أجل بيع منتجاتهم من الأدوية التي تسببت بكوارث صحية، حيث تبين أن شركة إنسيس تعتمد على مادة الفنتانيل المخدرة، بشكل أساسي، والتي تركت آثاراً سلبية في حياة المرضى، والأنكى أن الشركة استخدمت أساليب غير قانونية وملتوية للترويج لدوائها، فسلكت طريق الرشى التي تقدمها للأطباء، تحفيزاً لهم على وصف الدواء للمرضى، من دون أي اهتمام بما سيتركه من آثار في حياتهم، مستخدمة في سبيل ذلك أسلوب دعاية رخيص يسمونه «برنامج المتحدثين».

  • كسب التعاطف

نعود قليلاً إلى الوراء، فالمخرج يرغب في كسب تعاطفنا مع البطلة لايزا دريك (إميلي بلانت)، من خلال تعريفنا بظروف حياتها الصعبة، فهي أم عزباء، تعمل في أحد النوادي الليلية لتتمكن من العيش مع ابنتها المراهقة فيبي (كلويه كوليمان)، لا تجيد الرقص بقدر ما تجيد التحدث إلى الزبائن، وإقناعهم بوجهة نظرها، يصادف في تلك الليلة وجود شاب بيت برينر، (كريس إيفنز)، يعمل في شركة أدوية متعثرة، يحاول التقرب منها فيتراهنان، ويقول لها إنه مستعد لتوظيفها في الشركة، إنها ستحصل على مبلغ 600 ألف دولار خلال السنة. لم تأخذ الأمور على محمل الجد، لولا ظروفها الصعبة، وإقامتها مع ابنتها ووالدتها جاكي (كاثرين أوهارا)، في مرآب منزل شقيقتها، ولسوء حظها تقع ابنتها في مشاكل في المدرسة، فيتم فصلها لمدة ثلاثة أيام، ما يزيد من الخلاف بين الأختين، ومعايرة لايزا لكونها عاطلة عن العمل ولا تثبت في وظيفة. تغادر مع ابنتها لتقيما في غرفة صغيرة في أحد الأحياء الشعبية، بجوار عائلة طيبة، وودودة، مكوّنة من أم تكافح، وأب مريض، وابنتين صغيرتين؛ ورغم سوء أحوالها، تردد لايزا في قرارة نفسها: لن أستسلم.. سأصنع لحياتي معنى.. وفجأة تتذكر ما قاله بيت برينر ووعده لها بالعمل في شركة الأدوية «زانا»، فتبحث عن عنوان الشركة وتفاجئه بوصولها من دون سابق إنذار.

  • تزييف المعلومات

أسلوب التحايل يبدأ من طريقة قبول لايزا وتوظيفها في شركة أدوية المفروض أن صاحبها د. جاك نيل (آندي جارسيا)، لا يرضى إلا بالأطباء، والصيادلة، وحاملي الشهادات الجامعية، بينما لايزا لم تحصل على الثانوية العامة، وعملت بائعة لمنتجات مختلفة، مثل أدوات التنظيف والتجميل.. يتولى بيت إعادة كتابة وتزييف كل المعلومات في ورقة سيرتها الذاتية، ويقدمها للدكتور نيل باعتبارها ضليعة في عالم الأدوية، وسبق لها أن عملت في مجال التسويق. حصول لايزا على الوظيفة مشروط بتمكنها من بيع دواء «لونافين» الذي أنتجته شركة زانا، ولم ينجح أي من العاملين فيها في إقناع الأطباء باستخدامه في علاج مرضى السرطان، بسبب قوة الشركة المنافسة، وأسلوب مندوبتها في إقناع الأطباء عبر الرشى والهدايا.. المطلوب أن تحصل لايزا على موافقة طبيب واحد على الأقل، ووصف لونافين لمريض واحد قبل نهاية الأسبوع.

تذهب إلى عيادة ليكلاند، حيث تقابل طبيباً متخصصاً يزوره مرضى السرطان، وتحاول عبثاً إقناعه، ثم تزور غيره، وغيره، من دون جدوى، إلى أن صادف وجودها أثناء تقدم مريض بشكوى من الآثار الجانبية للعلاج الذي يتناوله، فتتدخل لعرض فكرة تجربة لونافين المسكّن لألم المصاب بالسرطان.. بداية تدرّ الكثير من الخير والأموال على لايزا، وعلى بيت، وعلى الشركة، وصاحبها الدكتور نيل.. لتقفز زانا صعوداً، وتصبح من أغنى وأهم الشركات التجارية المصنعة للأدوية، وتنتقل لايزا للعيش مع ابنتها في منزل فخم، وتشتري لوالدتها سيارة جديدة، ويتبدل كل شيء في حياتها. بداية الثراء والسعادة وبداية النقمة والتعاسة..

كلما ازدادت الشركة نجاحاً وثراء، كلما زاد الفساد فيها، وصارت أساليب البيع والترويج للدواء لدى الأطباء رخيصة، وخارجة عن الأخلاق والقانون، والعمل فيها يستدعي التخلي عن الضمير والمبادئ والقيم.. بل طفح الكيل بعد مدة، حين لاحظ الدكتور نيل أن مبيعات الدواء مستقرة ما يعني بالنسبة إليه أن حركة البيع جامدة، ويجب إيجاد وسيلة جديدة للترويج للدواء، علماً بأن ردّ بيت ولايزا عليه كان أن سبب الركود هو فعالية الدواء، وتماثل المرضى للشفاء؛ لكن الدكتور نيل، ومعه بيت، يريدان المزيد من النجاح والمال والسلطة، وكان الاقتراح أن يتم وصف الدواء لعلاج أي ألم في جسم الإنسان، ولا يقتصر على مرضى السرطان، حتى يضمنوا انتشاره مجدداً، رافعين شعار «الألم هو الألم».. لايزا التي تولت مسؤولية تدريب موظفي المبيعات وصاحبة شعارات «لولا المندوبين البائسين لما حصلنا على الأطباء البائسين»، و«إذا امتلكتم منطقتكم امتلكتم الطبيب».. وهي المنظمة لبرنامج المتحدثين الذي تحول بفضلها، وبفضل بيت، إلى حفلات صاخبة يغرون فيها الأطباء ويضمنون ولاءهم للشركة والمنتَج، ما يعني زيادة المبيعات والأرباح.

  • جراحة عاجلة

فيبي المراهقة مصابة بالصرع وتحتاج إلى عملية جراحية عاجلة، يصادف هذا الخبر مع اكتشاف لايزا أن من يتناولون لونافين يصبحون مدمنين، ثم يتوفون، من بينهم زوج جارتها المسكين الذي توفي بسبب الدواء.. حتى الدكتور ليدل (براين دارسي جيمس) شكّل صدمة للايزا حين وافق على وصف الدواء لكل المرضى بلا استثناء، باعتباره مسكناً لأيّ ألم.. تحاول الانسحاب، وبسبب تعنت الدكتور نيل وبيت، تقرر المرأة قلب الطاولة وإعادة خلط الأوراق، والمجازفة بمستقبلها.

يكتفي أندي جارسيا حالياً، بحضور عابر في الأفلام السينمائية، كأنه يقول «ما زلت هنا على قيد الحياة»، مكتفياً بلعب أدوار جيدة، محورية إنما ليست رئيسية، بينما تدهشك إميلي بلانت كيف تتقدم لتتصدر المشهد، رغم وجودها بجانب شخصيتين بارزتين ومحبوبتين، جارسيا من جهة، وكريس إيفنز، من جهة ثانية، ورغم أن قصة الفيلم لا ترتكز عليها، ولا تحكي قصتها تحديداً؛ كذلك يبدو كريس إيفنز مختلفاً بأداء مميز ومناسب لشخصية مدير الشركة الفاسد.

  • «لايزا» و«إيرين»

إيرين بروكوفيتش، هل تتذكرونها؟ وأنت تشاهد «تجار الألم» ستتذكرها فوراً، تلك الأم العزباء التي كافحت كثيراً من أجل أن تكسب لقمة عيش شريفة، ومن خلال المبيعات توصلت إلى كشف إحدى قضايا الفساد المهمة، في الفيلم الذي حمل اسمها عام 2000 وكان من إخراج ستيفن سوديربيرغ. واللافت أن المخرج دايفيد يتس وإميلي بلانت حاولا جعل «لايزا» نسخة من «إيرين»، خصوصاً في مشيتها، وطريقة ملابسها، وأسلوب كلامها، وحياتها.. وقد بدا الأمر واضحاً، لكن أداء جوليا روبرتس في «إيرين بروكوفيتش» أوصلها إلى جائزة الأوسكار، بينما بلانت لن تستحق الأوسكار عن هذا الدور، كما لم يتمكن المخرج من جعل الفيلم «استثنائياً»، بتركيزه على تفاصيل حفلات الصخب وأسلوب الترويج الرخيص للدواء، والمنافسات غير الشريفة بين شركات ألأدوية المسكنة، ومر سريعاً على الجوانب الإنسانية التي من شأنها رفع مستوى الفيلم عالياً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pwa7tvb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"