المأزق العالمي ومسؤولية العقلاء

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

تُبرز التقارير العلمية والأحداث الميدانية أن العالم يمرّ حالياً بظرفية صعبة، تفرض استحضار العقل، وبلورة جهود جدية في سبيل إرساء سلام مستدام، يحاصر خطابات التطرف والصراع والصدام، وانتهاك القوانين والمعاهدات الدولية، ويتيح مواجهة مختلف التهديدات، العسكرية وغير العسكرية، التي باتت تشكل خطراً حقيقياً على الإنسانية جمعاء.

لم تسمح ظروف الحرب الباردة، بتوتّرها وصراعاتها الإيديولوجية والعسكرية، للدول أن تلتفت إلى عدد من المخاطر التي كانت تتهدّد الإنسانية جمعاء، ولذلك فقد تمّ اختزال مفهومي السلم والأمن الدوليين حينئذ في تلك الحالة التي تغيب فيها الصراعات والمواجهات ذات الطبيعة العسكرية، بما يعنيه ذلك من تركيز على خطر وحيد يستند إلى الجانب العسكري، ومع تخلّص العالم من ثقل الصراع الإيديولوجي الذي عمّر لأكثر من نصف قرن، بدأت الكثير من القضايا والأزمات غير العسكرية تفرض نفسها كأولويات، أمام صانعي القرار على المستويين، الوطني والدولي، ما جعل مدلول السلم والأمن الدوليين يتسع، في هذه المرحلة من تطوّر العلاقات الدولية.

فقد حذّرت الكثير من التقارير والأبحاث العلمية من الأخطار البيئية التي باتت تهدّد وجود الإنسان، وباقي الكائنات الحيّة الأخرى على الأرض، بفعل الأنشطة البشرية العشوائية التي تُلحق بالطبيعة آثاراً مدمّرة، كما أصبح «الإرهاب» من ضمن أهم العوامل التي تشكّل تحدّياً أمنياً كبيراً أمام المجتمع الدولي برمته، فيما تزايدت حدّة الهجرة القسرية تحت ضغط النزاعات العسكرية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والكوارث الطبية. كما تبين مع تفشي وانتشار عدد من الأوبئة على امتداد مناطق مختلفة من العالم، أن الأمراض الخطرة باتت تهدد بدورها الأمن الإنساني بصورة جدّية. كما ارتفعت نسبة الخروقات التي يتم فيها خرق قواعد القانون الدولي من خلال اقتراف اعتداءات تمس بسيادة الدول، وأمن الشعوب.

وتمثّل هذه المخاطر التي تنضاف إلى الترسانة الضخمة من الأسلحة المدمّرة والمتطورة التي تملكها الكثير من الدول، تهديداً حقيقياً للإنسانية جمعاء.

إن تصاعد التيارات اليمينية المتطرفة في عدد من دول العالم، بسياساتها الصدامية وتوجهاتها القومية العدائية تجاه المهاجرين والأقليات، يمثل تهديداً للمكتسبات الحقوقية والاقتصادية التي حققتها الشعوب على امتداد عدة عقود.

ويبدو في خضم هذه التطورات التي تفاقمت فيها الصراعات والمخاطر والخروقات من جهة، وتصاعدت فيها الخطابات الشعبوية والمتطرفة من جهة أخرى، كأن كل القوانين، والمؤسسات الدولية قد فقدت مصداقيتها، وكما لو أن العقلاء، من مثقفين وفاعلين وصناع القرار، قد استقالوا، وتركوا الساحة أمام تجار الحروب والأزمات، ليزجّوا بشعوب العالم في متاهات من الصراعات، والحروب.

ورغم قساوتها، كثيراً ما مثلت الأزمات محطّة للتفكير وإبداع الحلول، ويمكن لتزايد الوعي بهذه التحديات، أن يدفع نحو التركيز على المشترك الإنساني، وتذليل الخلافات ونبذ الصراعات الدولية، ويحفّز على طلب السلام والتعاون.

إن المرحلة الصعبة التي يمر بها العالم اليوم، تفرض بناء جسور التواصل والحوار بين الشعوب، لأجل استثمار التنوع الحضاري في تعزيز التعاون والتنسيق، وكسب رهانات مشتركة، توفر شروط التصدي لمختلف التهديدات التي تواجه الإنسانية جمعاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n89dtpm

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"