أسوأ من دمار غزة

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

عندما يقول مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن حجم الدمار في قطاع غزة يفوق ما تعرضت له المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، فلا يأتي بجديد أكثر من وصف الموصوف، وأن كلامه لا معنى له لأنه يصدر عن مسؤول واكب لأكثر من شهرين حرب إبادة حقيقية تنفذها إسرائيل في القطاع الفلسطيني من دون أن يتحرك لإنهاء الدمار والمذابح، وفق ما تفرضه الأخلاق ونواميس القانون الدولي.
الحرب المدمرة والقتل العشوائي للمدنيين فضحت إسرائيل وعرت النفاق الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية العادلة، وهذه سقطة تاريخية لا نهوض بعدها لكل من عاين قتل النساء والأطفال وتدمير المدارس والمستشفيات وتعرية المعتقلين، ولم ينتصر للكرامة الإنسانية والذات البشرية التي تظل الجامع المشترك بين مختلف الأمم والشعوب وإن اختلفت أقدارها ومنازلها. حتى الأمم المتحدة، التي كثيراً ما تتخذها القوى الغربية مظلة لفرض هيمنتها على بقية العالم، لم تسلم من الانتهاك سواء في غزة أو نيويورك، فهناك جرى تدمير مقراتها وقتل العشرات من موظفيها ولم يصدر بيان إدانة واحد، وهناك جرى الدوس على ميثاقها وشل إرادة مجلس الأمن الدولي ومنعه من إصدار قرار بوقف فوري للقتل العبثي. كما تم تجاهل تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المادة 99 من الميثاق الأممي للتنبيه إلى خطورة الوضع، وبدل تلبية الدعوة، تمت مهاجمة الرجل وتوبيخه من أوساط أمريكية وإسرائيلية، لأنه انتصر لضميره وإنسانيته، ولم يشأ أن يكون شاهد زور على فضيحة تاريخية بحجم العالم في قطاع غزة.
سواء انتهت هذه الحرب الملعونة خلال أسبوع أو أشهر أو أكثر من ذلك،  فقد أحدثت جرحاً عميقاً في الوعي الإنساني تجاه النظام الدولي الحالي ومؤسساته، وستدق الدماء البريئة التي سفكت في غزة مسماراً آخر في نعش هذا النظام انتظاراً لتشييعه إلى المكانة الجديرة به. لقد أسقطت الحرب الإسرائيلية على غزة مصداقية المجتمع الدولي وكشفت عن أن المبادئ التي يدعي البعض الدفاع عنها يجري استخدامها حسب المصالح والطلب.   
 وإذا كان الدمار الذي لحق بغزة لم تعرفه المدن الألمانية وهيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية، خاصة وأن متوسط عدد الأطفال والمدنيين الذين قتلوا أوسع من أي حرب منذ بداية القرن العشرين، فإن الدمار الذي لحق بالمبادئ وأخلاقيات القانون الدولي أوسع من تدمير غزة وقتل أطفالها وأكبر من أي مشهد دموي؛ بل إن القيم الإنسانية تذبح في غزة وتصل عبر البث المباشر إلى أصقاع الدنيا، والمؤلم أن هناك من يدافع عن هذه الحرب ويدعي أنها دفاع عن النفس.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mfrsvc6y

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"