في الذكرى 75 لشرعة حقوق الإنسان

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

مرّت خمس وسبعون سنة على إصدار الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يشكل وثيقة مرجعية تجسّد تنامي الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان والحريات، في مرحلة ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، التي خلفت دماراً كبيراً، ومعاناة بشرية خطرة، وتأسيس المنظمة العالمية التي جعلت من حماية حقوق الإنسان أحد أهم أهدافها.

ويتضمن هذا الإعلان الذي أصدرته الجمعية العام للأمم المتحدة في عام 1948 في باريس، ثلاثين مادة تستعرض مختلف الحقوق والحريات المكفولة للإنسان، بغضّ النظر عن جنسيته، أو ديانته، أو جنسه، أو لونه، أو عرقه، أو لغته.. وتضع ضوابط ومبادئ تحول دون ارتكاب الجرائم والممارسات التي مرت بها البشرية خلال الحربين العالميتين، الأولى والثانية. كما تعطي هذه القواعد للموضوع طابعاً كونياً، حيث انعكست بشكل كبير على تطوّر منظومة حقوق الإنسان عبر العالم، ومثلت مرجعاً أساسياً في هذا السياق، قبل أن تتعزز في عام 1966 بإصدار البروتوكولين الاختياريين الملحقين، الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالحقوق المدنية والسياسية، وإقرار عدد من الاتفاقيات الإقليمية والدولية ذات الصلة، وتبنّي الدساتير الوطنية لعدد من الحقوق والحريات والأفكار التي تضمنتها الإعلان.

ووعياً بأهمية هذا الأخير، اعتمدت الأمم المتحدة العاشر من شهر من ديسمبر/ كانون الأول الذي يتزامن مع صدوره (الإعلان)، ذكرى للاحتفاء باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهي المناسبة التي احتفى بها العالم قبل أيام.

لا يمكن نفي المكتسبات التي تحققت على طريق تعزيز وتطوير منظومة الحقوق والحريات على المستوى الدولي، وهو ما تعكسه الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة في هذا الإطار، في مجالات البيئة والطفولة والثقافة والإعلام والشغل وتمكين النساء والشباب..

كما تطورت الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان خلال العقود التي تلت نهاية الحرب الباردة، فعلاوة على الدور الذي تقوم به الهيئات الوطنية في هذا الشأن، انطلاقاً من التشريعات ذات الصلة، ومؤسسة القضاء، والهيئات الاستشارية المعنية بالموضوع، وجمعيات المجتمع المدني والقنوات الإعلامية، تستأثر الأمم المتحدة بأجهزتها الرئيسية ومختلف وكالاتها المتخصصة، بدور مهم في هذه الخصوص على المستوى العالمي.

غير أن هذه الجهود والمكتسبات، لم تحل دون حدوث الكثير من الانتهاكات والتراجعات في عدد من دول العالم، بفعل تنامي النزاعات والحروب، والكوارث، والفوارق الاقتصادية بين دول الشمال ودول الجنوب، وتفاقم مظاهر عدم التمييز والعنف والتطرف، وانتشار خطابات الكراهية، وتكريس الإفلات من العقاب، وتزايد الأنشطة التي تضر بسلامة البيئة والمناخ، وتعرض عدد من الشعوب للاضطهاد، واضطرار الكثير من الأفراد إلى مغادرة مدنهم وقراهم تحت إكراهات طبيعية وسياسية وعسكرية واقتصادية، بحثاً عن فضاءات أكثر أمناً واستقراراً، تحفظ كرامتهم.

وقد خلّد العالم هذه الذكرى، خلال عام 2023 التي تتزامن أيضاً مع الذكرى الثلاثين لإنشاء مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والذكرى الخامسة والسبعين لنكبة فلسطين (1948)، على إيقاع استمرار معاناة الشعب الفلسطيني مع الاعتداءات والجرائم المستمرة التي ترتكبها سلطات الاحتلال في غزة أمام أنظار الأمم المتحدة، ودول العالم، على مستوى استهداف الأطفال والنساء والمدارس، ودور العبادة، وتهجير السكان وتجويعهم..

ويؤكد مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن العالم يشهد في الوقت الراهن أكثر من خمسين نزاعاً على امتداد مناطق مختلفة من العالم، ارتكبت خلالها الكثير من الجرائم والانتهاكات في السودان وأوكرانيا وفلسطين.

إن استمرار هذه الخروقات، في ظل الصمت الذي تفرضه الكثير من الدول الغربية، يكشف أن المجتمع الدولي بات يتحمل مسؤولية كبيرة في بذل المزيد من الجهود والتضحيات على طريق إرساء حماية حقيقية لحقوق الإنسان. ذلك أن الوضع الحقوقي الدولي الراهن، يقتضي استخلاص الدروس والعبر، وبلورة مبادرات فعالة تدعم تعزيز ضمانات حقوق الإنسان في إطار من التعاون والتنسيق الدوليين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3rp3t4ps

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"