الإمارات تتحدث عن نفسها

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

الوطن تاج القلب، لا حدود لعشقه، ولا حدود أيضاً لما يمكن أن يثيره فينا من أحاسيس ومشاعر وأفكار، مشاعر تفجر طاقات الإبداع الكامنة، وتهب الشعراء المعاني والمفردات التي يعبرون من خلالها عن حجم وثقل هذا الوطن واتساعه ومداراته وآفاقه فيحلقون به حيث مكانه في الصدارة ملامساً للنجوم. 
وتتضح تلك المعاني جلية في القصيدة الجديدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والتي جاءت بعنوان «بنات الملوك»، فالإمارات في تلك القصيدة تحيط بالشاعر من الجهات كافة، تملك عليه حواسه، تسكن قلبه، وتداعب خياله، وتستثير عقله، ويبدأ فهم الوطن في تلك القصيدة من عتبة العنوان، والذي بالإمكان قراءته على أكثر من مستوى، ويؤشر إلى أكثر من مغزى، الإمارات هي «بنات الملوك»، جمع يعبر عن المفرد، يحيل إليه ويختزنه.
فالإمارات، بالنسبة للشاعر، باتت أكبر من وطن، بما تثيره في النفوس من دلالة، وذلك ما دفع سموه ليبدأ كل بيت من أبيات القصيدة بكلمة متبوعة ب«أنا»، مثل: «ليلي أنا»، و«فهمي أنا»، «علمي أنا»، «صدري أنا»، «قلبي أنا»، وكأنه يتوحد مع وطنه الذي يعشق، أو كأنه اندمج في هذا الوطن، أو كأنهما أصبحا كياناً واحداً لا نميز فيه بين الشاعر وما يصفه، أو الموصوف ومن يتكلم عنه، وهو ما يتأكد عندما تنتقل القصيدة لتتحدث بلسان الإمارات، أو لسان الشاعر، في بدايات أبيات أخرى، مثل «جندي أنا»، و«بحري أنا»، ليسأل كل قارئ للقصيدة نفسه: أين حدود الشاعر وأين حدود الوطن؟، هي حالة عشق من النادر أن تتكرر، ولا يستطيع التعبير عنها إلا شاعر في قامة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. 
تبدأ القصيدة بالحديث عن ليل الشاعر المختلف عن ليالي الآخرين، هو ليل يبحث فيه عن المعنى الفريد المبتكر الذي يعانده ويراوغه أولاً، ولكنه لا يلبث أن يلين له لتنثال الكلمات تباعاً، ويتحدث الشاعر عن هيامه بوطنه، وتتكلم الإمارات عن نفسها، لا فارق مرة أخرى بين الاثنين في هذه القصيدة، التي خرجت مباشرة من فؤاد الشاعر لتحتفي بحبيبته أو وطنه الذي يتجاوز المدى، وهو تجاوز يرهق الناظر ويحتاج إلى أكثر من عينين، يحتاج إلى قلب وبصيرة، يقول سموه: «وصدري أنا غير واسع مالوسعه حدود/ كنّه بلد في اتساعه للمدى يتعبا».
في البيتين التاليين تواصل القصيدة أسلوبها، يقول سموه: «وجندي أنا غير ما تشبه جنودي الجنود/ ما حد لجندي ولو حاول لهم يغلبا. وبحري أنا غير ما توصل لقاعه بلود/ ومن دخل في عواصيف الخطر يركبا»، وتتحول لهجة العشق المهيمنة في أبياتها الأولى إلى لغة تفخر بجنود الوطن وبحره، ثم تنتقل إلى الإشارة إلى مناقب وسمات القائد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، حيث يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «وخوي أنا غير له سمعه ع دق الرعود/ له سيرة المجد كانه جاك عنه النبا»، وهنا تكتمل صورة الوطن، الذي يصطف فيه الجميع خلف قيادة كتبت سيرة للمجد بمداد الفخر.
هي قصيدة تخلص للمعنى، ولذلك يمنحها هذا الأخير قوة وقدرة على التأثير في من يطالعها، ابنة وفية للشاعر الذي تحلق كلماته متحررة من أية سدود، يقول سموه في البيت الثاني من القصيدة: «وفهمي أنا غير ماتحدّه مدود وسدود/ ولو خبا نور الأفهام هو ما خبا». هي قصيدة المعنى بامتياز، وتجعل قلوبنا تلهث وراء مفرداتها القوية المؤثرة، وعقولنا تفكر المرة تلو الأخرى في ظاهرها وباطنها، ما تنطق به صراحة، وتهمس به بهدوء وما تبطنه ويحتاج إلى أكثر من قراءة، هي قصيدة تعبر عن قيمة ومكانة وجمالية ولا حدود الإمارات «بنات الملوك»، وهي الوطن الذي لا يتردد الشاعر لحظة في أن يهبه حياته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3trk54mh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

مقالات أخرى للكاتب